العنوان الرئيسي ليوم الخميس على موقع الانترنت لصحيفة الوفد المصرية، (معارضة) حمل كلمتين: وقاحة اسرائيلية.
وتنسب الوقاحة لبيان يفيد بأن حكومة اسرائيل لن تدفع التعويضات لعائلات الجنود المصريين الثلاثة الذين قتلوا بنيران اسرائيلية.
العنوان والغضب الذي اثارته في مصر الحادثة النارية جاء بالذات في اليوم الذي اعلنت فيه مصر عن الاتفاق بنشر 750 جندياً مصرياً على طول خط الحدود بينها وبين قطاع غزة، واستعدادها لتدريب رجال من الشرطة الفلسطينيين، وبالاساس في اليوم الذي وصف فيه الرئيس المصري حسني مبارك رئيس الوزراء ارييل شارون بأنه الأمل شبه الاخير للفلسطينيين.
الانعطافة الحادة في الموقف العلني من مبارك تجاه شارون - بعد يوم من الحدث الدبلوماسي الذي نفت فيه سورية بيان جواد عبدالفتاح، الناطق بلسان الرئيس المصري، بشأن الغاء الشروط المسبقة للمفاوضات بين اسرائيل وسورية - لم تبدأ الخميس.
فالقرار بإرسال رئيس المخابرات عمر سليمان إلى اسرائيل، إلى جانب وزير الخارجية الجديد احمد ابو الغيط، كان قد اتخذ في مصر قبل اكثر من شهر. وتأجل تنفيذه مرتين آخرها كان بسبب حادثة اطلاق النار على الجنود المصريين وانعقاد مؤتمر شرم الشيخ لشؤون العراق.
وحسب المصادر المصرية فقد زود مبارك مندوبيه بتعليمات للتوصل إلى اتفاق مع اسرائيل.
تفاصيله، ولا سيما تلك المتعلقة بكتب التفاهم المتبادلة التي ستحل محل الحاجة إلى اعادة فتح اتفاقات كامب ديفيد، اتفق عليها قبل نحو ثلاثة اسابيع بوساطة امريكية.
تصريحات الرئيس المصري الخميس تأتي بالتالي كاستكمال للخطوات الرسمية. وهي ترمي إلى منح الشرعية لرئيس وزراء اسرائيل، ولكن بقدر لا يقل عن ذلك للخطوات الدبلوماسية المصرية.
إذ إن مبارك مطالب هو الآخر بشرح خطواته سواء للجمهور المصري أم للدول العربية الاخرى - لماذا تجري اتصالات على هذا المستوى العالي بين الدولتين، بل وتوقع اتفاقات شبه عسكرية بين مصر واسرائيل. وكل هذا، فيما يقبع في الخلفية عالقا قرار الجامعة العربية عدم اجراء اتصالات دبلوماسية مع اسرائيل، والسفير المصري في اسرائيل لم يعد لمزاولة مهامه بعد. في الجانب السياسي، تأتي إذن تصريحات مبارك لتهيئة القلوب نحو استمرار الدور المصري الفاعل في المسيرة السلمية.
الدور الذي دخل في غبار عال بعد موت عرفات، والحاجة إلى التأثير على مبنى السلطة الفلسطينية المستقبلي.
غير أن هذه التصريحات تتضمن فرضية عمل سياسية استراتيجية هامة، وبموجبها تؤمن مصر في استعداد شارون وقدرته على تنفيذ خطة فك الارتباط.
وحسب المصادر المصرية نفسها، فان المتابعة الحثيثة للتطورات السياسية في اسرائيل، ولا سيما التحليل السياسي الحزبي الذي عرضه على مبارك مستشاراه عمر سليمان واسامة الباز دفعه إلى الاستنتاج بأن شارون جدي. وعليه، فانه على الاقل في هذه المرحلة، لا يلوح خطر أن تتفجر تعابير الدعم العلني له ولخطواته في وجهه. فلا يزال مبارك يتذكر تأييده العلني لنتنياهو الذي انتخب رئيسا للوزراء، وهو الدعم الذي اضطر إلى التراجع عنه بعد وقت قصير من ذلك.
وتؤدي مصر مرة اخرى الدور الذي يمكنها ان تنجح فيه اكثر من اي شيء آخر - حين لا تكون قادرة على حسم الخطوات او توجيهها، فهي على الاقل يمكنها ان تمنحها الشرعية. هذا هام اساسا على خلفية الدور المخصص لمصر في توحيد الصفوف في اوساط الفلسطينيين، وفي احتمالات دفع المفاوضات بين اسرائيل وسورية إلى الامام.
تسفي برئيل
رئيس التحرير السابق لصحيفة هاارتس, والآن يعمل في الديسك المركزي للصحيفة.
زار أكثر من دولة عربية منها العراق ومصر والاردن وليبيا وموريتانيا.
فاز بجائزة الصحافة الإسرائيلية عدة مرات منها هذا العام 2004
|