يوم الاثنين من هذا الأسبوع عادت أمريكا إلى عملها بعد عيد الشكر. موظف كبير في الإدارة - من أولئك الذين يسمون نظراءهم الإسرائيليين بأسمائهم الخاصة - قفز إلى نيويورك كي يعرض في معهد البحوث الاعتباري مجلس العلاقات الخارجية السياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط.
الحاضرون سمعوا وسجلوا: من يؤمن بحل الدولتين لا يمكنه أن يؤيد حق العودة.. ففي نهاية المسيرة ستبقي في يد إسرائيل الكتل الاستيطانية وكل الباقي لا.. المفتاح للتقدم هو بناء مؤسسات ديمقراطية في السلطة الفلسطينية ومكافحة الإرهاب، والأمر منوط بالفلسطينيين.. إسرائيل لا تتصرف بما فيه الكفاية من الشفافية في شأن الاستيطان.
من أقوال الموظف الكبير يتبين أن خطة التسوية لإدارة جورج بوش تشبه جدا اقتراحات سلفه، بيل كلينتون. يمكن لإسرائيل أن تضم الكتل الاستيطانية الكبري في الضفة الغربية وستكون مطالبة بإخلاء المستوطنات المنعزلة والمناطق خفيفة السكان مثل غور الأردن. أما الفلسطينيون فسيتعين علىهم أن يحققوا عودة اللاجئين في دولة مستقلة، وليس في إسرائيل. إخلاء معظم المستوطنات مقابل تنازل عن حق العودة.
هذه هي خلاصة الصفقة التي عرضت في كتاب بوش لرئيس الوزراء ارييل شارون، في 14 نيسان. والرئيس يعتزم، كما يبدو، حث هذه الخطة في ولايته الثانية.
من ناحية شارون يصدر الآن عن واشنطن الكثير من الرسائل الايجابية. فالموظف الكبير قال إنه يجب التركيز على الخطوات في المدى القصير: تنفيذ فك الارتباط من الجانب الإسرائيلي، انتخابات وإعادة بناء أجهزة الأمن في الجانب الفلسطيني، تنسيق متدرج لفك الارتباط بين الطرفين.
وأوضح بأنه لن تكون اختصارات للطريق وقفزات إلى التسوية الدائمة وأن المسيرة السياسية ستدار بموجب مراحل خريطة الطريق (مكافحة الإرهاب والإصلاح في السلطة، إقامة دولة
فلسطينية مؤقتة، مفاوضات للتسوية الدائمة). والإدارة لا تريد مؤتمرا دوليا، وفي هذه الأثناء لن تبعث أيضا بمبعوث خاص إلى المنطقة.
عناق لشارون
يعانق الأمريكيون شارون في لحظة ضائقته السياسية. فمستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية المرشحة، كونداليزا رايس، التقت هذا الأسبوع زعماء يهود وأثنت على مسامعهم على ردود فعل شارون على الأزمة في السلطة الفلسطينية، منذ العلم باحتضار الرئيس ياسر عرفات، عبر جنازته، وحتى الوعود بأن تساعد إسرائيل في إجراء الانتخابات في المناطق. وقالت إن الطرفين يسيران في الاتجاه السليم.
وتلمح إدارة بوش الجديدة بأن معالجة النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني توجد في أولوية عليا. ومرة أخرى لن يتهموا أمريكا بإهمال المواجهة النازفة في الشرق الأوسط. ولكن الأمريكيين يكتشفون أن ليس سهلا إظهار التدخل. ستيف هيدلي، نائب ووريث رايس في مجلس الأمن القومي، طلب المجيء في بداية الأسبوع القريب القادم إلى القدس ورام الله، للقاء شارون ومحمود عباس (أبو مازن) لإعطاء دفعة للمسيرة المتجددة. ولكن فجأة تبين بأن القيادة الفلسطينية لن تكون في المناطق بل في زيارة في دمشق. ومهم أكثر لعباس أن تلتقط له صورة مع الرئيس السوري بشار الأسد من أن تلتقط له هذه مع هيدلي. فالعناق الأمريكي لن يساعده في أوساط الجمهور الفلسطيني مثلما هي الرحلة إلى سورية التي رفضت استضافة عرفات.
فأجل هيدلي مجيئه. وشريكه في الرحلة، اليوت ابرامز، المسؤول عن الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي سيصل وحده إلى القدس. وسيزور ابرامز قريبا له يوجد في إسرائيل كما وسيدير محادثات سياسية. ويقدر معارفه الإسرائيليون بأن من المتوقع له أن يرفع ليصبح نائبا لهيدلي في البيت الأبيض، كسفير في إسرائيل أو كمسؤول كبير في وزارة خارجية رايس. التعيينات الدبلوماسية تثير مشكلة: ابرامز تورط في اخفاء معلومات عن الكونغرس في قضية إيران غيت. ويوجد شك في أن يمر هذا الإجراء في مجلس الشيوخ. أما إذا بقي في مجلس الأمن القومي فسيكون معفيا من موافقة مجلس الشيوخ.
وهكذا فإنه إلى أن يتضح مسيره، يعني ابرامز بتسويق السياسة الأمريكية في المنطقة. وفي طريقه إلى القدس مر بلندن للقاء منتدي الخمسة الذي أقامه الأوروبيون لمعالجة النزاع الإسرائيلي - العربي: بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا وهولندا. أوروبا تريد دورا أكبر، والأمريكيون يأخذون الأوروبيين على محمل أكبر من الجد، وفي القدس لا يعربون حاليا عن القلق. ففي الخماسية الأوروبية توجد أغلبية للدولة الصديقة لإسرائيل.
وإذا كان لشارون سبب للقلق، فهو ينبع من الرسالة التي أطلقها على مسامعه وفد من الشيوخ الأمريكيين الكبار زاروه هذا الأسبوع. كان بينهم تشاك هايغل ولينكولين تشيبي الجمهوريان، جوزيف بايدن وديان فاينشتاين الديمقراطيان. وجميعهم ضالعون، خبراء ومخضرمون في الشؤون الخارجية. وشرحوا بأنهم يرون صلة بين النجاحات الأمريكية في مكان واحد والاخفاقات في مكان آخر، ولهذا فإنه من أجل تحسين وضعهم في العراق، وتعزيز الدعم الجماهيري في العملية الأمريكية هناك، يجب إظهار النجاحات في الساحة الإسرائيلية - الفلسطينية.
نريد أن ننجح، ولكن ليس بثمن المس بأمن إسرائيل، أجابهم شارون، نحن مستعدون للتقدم وللتنازلات، ونحن أيضا مع النجاح في العراق. ولكن لا تضعوا كل شيء علينا، لا تعاظم اللاسامية ولا نجاحاتكم واخفاقاتكم.
دمشق سارعت إلى النفي
ايتان بنتسور كان جيلا ثانيا من الدبلوماسيين في وزارة الخارجية، أنهى خدمته كمدير عام في الوزارة. رجل مع صوت عميق، دعابة ساخرة وميل ما للمغامرة السياسية. في بداية العقد الماضي بادر إلى صفقة مع كوريا الشمالية: الدولة الستالينية تكف عن تصدير صواريخ سكاد إلى سورية وإيران وبالمقابل تساعدها إسرائيل في تجنيد المساعدات الاقتصادية والاستثمارات لتنمية منجم ذهب.
وقد زار بيونغيانغ، ولكن اتصالاته أوقفت بأمر من رئيس الوزراء اسحق رابين، ووزير الخارجية شمعون بيرس ولكن بالأساس بسبب المعارضة الأمريكية.
ويعتقد بنتسور حتى اليوم بأن إفشال مبادرة السكاد مقابل الذهب كان خطأ جسيما، ولكن موقفه موضع خلاف. في كتابه الجديد الرحلة الطويلة إلى آسيا كتب موشيه يغر الذي كان من كبار وزارة الخارجية يقول: إن محاولة بنتسور العمل على وقف تصدير الصواريخ من كوريا الشمالية مقابل وعود عديمة الغطاء بإغراءات اقتصادية كانت فصلا غير مهم، وإن كان محرجا بعض الشيء، لم يكن له أمل منذ البداية.
في العام الماضي علق بنتسور، هذه المرة كمتقاعد ورجل أعمال في القطاع الخاص في مغامرة دبلوماسية عاصفة. فمن خلال علاقاته في الأردن تمكن من اللقاء بماهر الأسد شقيق الرئيس السوري بشار الأسد، عشية الحرب في العراق. وجرى الحديث هناك عن استئناف المفاوضات السلمية مع سورية وإسرائيل. وتحمس وزير الخارجية سيلفان شالوم، أما شارون فتحفظ. وجمدت المبادرة. هذا الأسبوع نشر في (معاريف) على لسان بنتسور بأن المحادثات كانت أكثر إثارة للحماسة مما اعتقدوا: الرئيس الأسد اراد المجيء إلى القدس لإلقاء كلمة في الكنيست، حتى بدون وعد مسبق بأن إسرائيل ستعيد هضبة الجولان إلى سورية، ولكن شارون تجاهل وعرقل.
شالوم وشارون نفيا القصة، بنتسور يقف خلفها، والسوريون يصمتون. فهل يدور الحديث عن كوريا الشمالية أخرى أم عن فرصة حقيقية لعقد صفقة بثمن صفر مع الأسد، أهدرت بسبب عمى إسرائيلي؟
حسب منشورات الأيام الأخيرة، ولا سيما بعد مغادرة مبعوث الأمم المتحدة تري لارسن إلى دمشق كان يمكن الاعتقاد بأن الرئيس السوري تواق للقاء شارون والشروع في مفاوضات مع إسرائيل. ولكن الاتصالات الدبلوماسية تروي قصة مغايرة.
شارون لا يريد مفاوضات مع سورية. فهو يرفض انسحابا من الجولان ويخشى أن يحشر في موقف الرافض. في العام الماضي، مع حكومة مستقرة وجمود تام حيال لا شريك فلسطينياً، تبدو القناة السورية كبديل مثير للاهتمام.
الوف بن مراسل الصحيفة للشؤون السياسية (هآرتس) 3-12-2004م
مستشار رئيس الوزراء السابق إيهود باراك للشؤون السياسية, وله عمود يومي في صحيفة هآرتس. من أبرز الكتاب في الصحيفة وفاز أكثر من مرة بجائزة الصحافة الإسرائيلية |