قال وودرو ويلسون، الرئيس الأمريكي الأسبق (1856 - 1924)،: (إن خلاصة المسألة في حضارتنا أنه إذا لم يتم إنقاذها بالمعنويات فلن تستطيع البقاء بماديتها، ولا يمكن أن تنجو إلا إذا سرت الروح الدينية في جميع مسامها. ذلك الذي يجب أن تتنافس فيه معابدنا ومنظماتنا السياسية، ويتنافس فيه رجال أعمالنا).
بيْد أنّ الثقافة لم تع هذا التوجيه، وشطحت أخلاقياتها إلى مستويات أثارت قلق العقلاء والمصلحين حتى انبعثت الصحوة الإصلاحية, تسري في مسام الحراك الاجتماعي هناك لتعيده إلى المعنويات بعد أن طغت عليه الماديات.
هي صحوة إصلاحية بمفهوم الدين والأخلاق عندهم، يقودها جيمس بيكر، وزير الخارجية في عهد الرئيس جورج بوش الأب، إذ أسس بيكر معهداً يُعنى بدراسات الدين والأخلاق. ثم أسس بيل كلينتون (الهيئة الوطنية الاستشارية لإحياء القيم الأخلاقية)، ثم تكونت مجموعة (الآباء الغاضبون) الذين نذروا أنفسهم للإصلاح الاجتماعي ومحاربة فوضى التحرر من قيم الأخلاق والفضيلة، ثم نشطت (هيئة الاتصالات الفيدرالية) بضغوط وشكاوى من الرأي العام لمراقبة مشاهد الرذيلة وتجاوز قيم الأخلاق في وسائل الإعلام.
تجربة في التمرُّد على قيم النصرانية ثم محاولات يائسة في العودة إليها. مرحلة (التمرُّد) استمرت عشرات السنين ذاق المجتمع ويلاتها فجاهد لتجاوزها والقضاء عليها.
**
في نتاج بعض مثقفينا ما يشي باستيراد (تجربة التمرُّد) على قيمنا الدينية، تنبعث من أقلامهم في الصحف وحراكهم الثقافي داخل المجتمع وخارجه. معطيات الظرف الدولي كانت مطية هؤلاء في الحديث عن كل شيء .. حتى ولو لم يملكوا أدوات الحديث عن كل شيء. المتخصص في الاجتماع يتحدث عن الفتوى الشرعية، والإعلامي يفصل في مشروعية صيام الست من شوال، والكاتب الرياضي يتحدث عن الحجاب وحقوق المرأة وتجاوز عصر الظلامية، وأستاذ التربية يحاكم العلماء والمؤسسة الدينية، ومندوب العلاقات العامة يشخص واقع الحسبة. وفي الفضائيات (عهر على الهواء) يتسلل إلى مخدع الفتاة، ومضامين تسلب ألباب الرجال. ولسان حال المثقفين: هل من مزيد؟!
إنها (تجربة في التمرُّد)، لكن بمواصفات أقوى من غيرها، إذ هي عندنا لا تكل من طرق الجدر، والنبش تحت الأسس ولكن بأقنعة: بعضها مسفر عن الهوية، وكثير منها لما يزل في (طابور التمرُّد)!!
**
القيم الثقافية والمرجعية الفكرية هي القاسم بين تجربتي التمرُّد: الأصلية والمستوردة .. لكن التمرُّد المستورد يقتات - كعادته - من فضلات الآخرين.
|