* الذين كتبوا عن (أبي دلف) - الكتاب الأخير - في سلسلة المكتبة الصغيرة - تناولوا بالدرجة الأولى الكتاب وعرضوه، وبعضهم ناقش أفكاره.. التي وردت، لكنني وددت أن أكتب عن الذين كانوا وراء هذا العمل.. وهي فرصة انتهزها لأتكلم عن الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي بالذات.
فالأستاذ الرفاعي، صاحب الفكرة - ومنفذها - رجل يكفيه أن التاريخ الأدبي سيشهد لصالحه، خاصة إذا أضيف اليه ما كتبه طوال عمره المديد - إن شاء الله -.
* الدكتور الخفاجي رجل علامة بلا شك، ولو أنه نسخ كتبه المؤلفة، نسخا عن كتب أخرى، لكانت لديه حصيلة، ثقافية ضخمة.. تساوي ان لم تفق حصيلة أكبر أديب معاصر له.. أقول هذا رغم أنني أعرف أن هناك بعض الأصوات التي ترتفع وبخشونة معترضة.
لكن الدكتور يشعر أنه - رغم قصة كفاحه الأدبي الطويل التي تظهر جليا من خلال الكتاب الذي أصدره ماجد خفاجي، يشعر الدكتور بأنه.. لم ينل ما يستحقه من العناية.. والتبني كما لاقى غيره من الكثيرين، المتسكعين، في طرقات الأدب المهجورة.
أعرف هذا، وأنا أتذكر الدكتور الخفاجي، في صيف العام الماضي يقتعد كرسيا ممزق الأوصال، وأمامه منضدة مهشمة.. عليها بالاضافة إلى أوراق كتاب يصححه.. أقداح من الشاي الغامق.. يحتسيها تلاميذه ومريدوه، الذين التفوا حوله وقوفا وجلوسا، في حي الأزهر القديم.. أمام المطبعة المحمدية التي يقال أن الدكتور قد اشتراها.. لكي يتمكن من طبع كتبه بعد أن تحجزها هيئات النشر المشكلة، وتفضل عليها كتباً يستحي انسان يدعي الأدب أن يتبناها..
قلت يومها الشاعر كيلاني حسن سند.. صاحب الشعر الرائع.. ونفس المصير، وصديق الدكتور الصدوق..
تصور أنني لم أكن أعرف ان الدكتور يعاني كل هذه المعاناة.. ويجلس مثل هذه الجلسات.. حتى يخرج كتابا.. لا يلاقي حتى.. ولا بكلمة نقد عادلة.. أو حتى غير عادلة؟؟
وقال الشاعر كيلاني:
صحيح أن الدكتور يعاني هذا.. وصحيح أن النقاد والصحافة الأدبية تهمله..
تقريبا، ولكن يكفي أن تعلم أن له مريدين، وأصدقاء، أضعاف هؤلاء الذين تراهم.. وخاصة بين خريجي الأزهر الشريف كانت هذه الكلمات بلسماً وضعتها على جرح كبرياء الأدب النازف، وأنا أشق طريقي، عبر شوارع حي الأزهر - الصناديقية.. متوجها الى قلب المدينة القاهرة.
وهناك أيضا تحدثت مع الشاعر الكبير، صلاح عبدالصبور، رئيس الهيئة المصرية للتأليف والنشر، عن الدكتور الخفاجي.. وقال صلاح كلمة حق: ان الخفاجي رجل فذ.. ولكنه. وتحدث كثيراً عن لكنه.. وتحققت من بعض الأشياء التي قالها فيما بعد.
الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي، مجامل..
حتى على حساب الأدب الذي عشقه منذ طفولته، ووضعه على مائدة الطعام، مع الملح والبصل الأخضر.. وكل المقبلات.. ومجاملته هذه نابعة من طيبة متناهية، اكسبته أصدقاء كثر، لكنها أيضا في المقابل، حدت.. من اعتماد رأيه الأدبي.. اعتماداً مسلما به.. كما هو الحال مع كثير من النقاد، وأساتذة الجامعات.. والكتاب.
الدكتور الخفاجي أيضا سريع التأليف.. كثير المراجع.. ربما قليل الرجوع حقيقة اليها، فهو.. كما شاهدته بأم عيني كان يصحح (بروفات) أربعة كتب، في فترة واحدة..
صحيح أن في هذا.. صبراً وجلداً.. وعشقاً للأدب، ولا يستطيع أن يشاركه في القدرة على مثل هذا اثنان.
لكنها أيضا نقطة ضعف فيه.. فالذي يكتب مسرعا لا بد أن يخلف وراءه أخطاء، حتى ولو كانت أخطاء طفيفة.. ولا تفيد بعد ذلك تصحيحاتها بعد الفهرس، أو في الطبعات القادمة.. لان القارئ يكون قد أخذ فكرة.. والقارئ عندما يكون فكرته، في أغلب الأحيان، لا يرحم..
أقول هذا، وعندي من التقدير والاعجاب بهذا الدكتور الفذ، - كما وصفه صلاح عبدالصبور - ما يمكن أن أتجاوز به عن الكثير..
ولم تكن هذه الا مناسبة.. أسعدنا فيها أبو دلف، ومن كان وراء أبي دلف.. الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي. واللهم اجعل كلامي برداً وسلاما.
|