Saturday 11th December,200411762العددالسبت 29 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الطبية"

معاناتي مع الأنف الكبيرة معاناتي مع الأنف الكبيرة

* في تلك السن كل ما كنت أطمح إليه هو أن أمرَ أمام الآخرين، وأنا أرفع رأسي ولا أنظر للأسفل طوال الوقت. ولم أكن أعاني فقط من مشكلات عدم التفاهم بين جيلي الآباء والأبناء التي تنتشر بين المراهقين، بل كنت أعاني من كره لكل أندادي. ولكن الأمر لم يكن يتعلق بكوني مراهقة، فتلك الحالة بدأت معي منذ أن بدأت اختلط بالآخرين في سن المدرسة. ونتصور نحن الكبار أن الأطفال الأبرياء لا يمكن أن يكونوا مصدر ألم نفسي للآخرين. وربما لأن الكبار والبالغين يضعون في اعتبارهم أن أي تصرف يبدر من الصغير يمكن تفسيره وتبريره ولا يؤخذ بجدية. وربما لأن الأطفال لايجرؤون في الغالب على توجيه أي انتقاد جارح للبالغين كما ينجحون في توجيهه لمن في سنهم أو أصغر.
أعترف بأن أنفي لم تكن كبيرة لدرجة مخيفة حتى تصبح محل انتقاد وتعليقات أقراني في سن السادسة، ولكنني في تلك السن كنت أيضاً أعاني من عدم انتظام شكل أسناني العلوية. وهذا جعل وجهي محط انتباه الآخرين.
وهكذا بدأت رحلتي مع التعذيب النفسي اليومي، كنت أحب التعليم والتعلم لكن ذهابي للمدرسة يومياً كان كابوساً. وحاولت أن أجعل والدي يشعران بذلك لكنني فشلت، وحتى عندما تحولت فجأة إلى طفلة عنيفة وضربت إحدى زميلاتي على أنفها لم استطع أن أجعل الآخرين يشعرون بقسوة تعليق زميلتي التي دفعني للكمها. كنّا في صالة المدرسة الرياضية نغير ملابسنا استعداداً لدرس الرياضة البدنية وكنت انحنى لأربط خيط حذائي، فإذا بإحدى الزميلات تقول: (هيه يا دون لا تنحني هكذا.. فتسقطين بسبب أنفك الكبير). ضحكت الزميلات اللاتي كن معها، لكني أدرك كمية الغضب الذي تسارع في جوفي إلا عندما وجدت مدرّسة الرياضة تشدني من فوق تلك الزميلة وأنا بكل إصرار ألكم أنفها. وتوالت السنوات وتوالت معها التعليقات.
وفي المرحلة المتوسطة كانت التعليقات الأكثر تداولاً على من هم في مثل سني مثل: (هل سحبوك من بطن أمك بواسطة أنفك.. أو لا تلتفتي فجأة حتى لا يحدث إعصار في المدينة.. أو سيمنعونك من المرور بالشارع حتى لا تمنعي الرؤية عن الآخرين).
* أتريدون تعليقات أخرى؟
ما زلت أحفظها وإن كانت لا تؤثر فيّ الآن ولكني قادرة على تذكر وخز الألم الذي كان يسري في داخلي وأنا أسمعها تترد.
في المرحلة الثانوية بدأت مأساتي مع أنفي تكبر.. كان أنفي يتواطأ ضدي لصالح أندادي، كان يكبر بشكل شبه يومي أو هكذا بدا لي وقتها. وكنت أيضاً ارتدي مقوم الأسنان في تلك المرحلة مما أضاف لشكلي المنفر بعداً جديداً.
وفي هذه المرحلة كانت التعليقات والجمل الساخرة تأتي بشكل أكثر حرفية: (لا تخافي لن تتبلل قدميك في المطر وأنت التي تملكين أنفاً كهذا.. أو أرجوك ابتعدي أريد أن أرى الطريق أمامي.. أو سيكون خطيبك أكثر الرجال سعادة بحقيقة أن خاتم الخطبة يلبس بالإصبع وليس الأنف وإلا كان سيُفلس) وتعليقات مثل هذه لا تترك لك مجالاً وأنت في تلك السن أن تحب نفسك أو تحب الآخرين. وأنا كنت أكره الاثنين وبقوة. وفكرت بالانتحار مراراً ولكنني لم أنفذ أي من تلك الأفكار ولأني رأفت بحال والدي اللذين فقدا أخي الأكبر في حادث سيارة وأنا في سن الثالثة عشرة ورأيت كيف كاد الحزن يقضي عليهما.
وعندما بلغت السابعة عشرة انتقل عمل والدي لولاية إنديانا وتعرفت على ابنة الجيران التي أتت بالحل لمشكلتي بدون أن تدري. وكانت جارتنا تعمل في مكتب جراح تجميل وكنت كثيراً ما أود طرح سؤال يتعلق بأنفي لكنني كنت أتراجع. فبنت الجيران كانت لطيفة ولم تلحظ مرة أن أنفي بشع مثلاً أو هي كانت لطيفة لدرجة أنها لم تعلق أو تسخر أو تمازحني عنه.
وجاءت الفرصة عندما أقامت المدرسة حفلة نهاية العام وأصرت صديقتي الجديدة أن أحضرها. وذهبنا إلى السوق لشراء ما نحتاج للحفلة وكان المكياج من ضمن ما عدنا به.
والدة صديقتي أرادت أن تجرب وضع الماكياج الجديد على وجهينا، وفي لحظة ضعف سألتها عمّا إذا كانت تستطيع إيجاد حل تجميلي لأنفي. وكنت أقصد أن تستخدم المكياج للتخفيف من شكل أنفي الكبير. ولكن جارتنا أساءت فهم جملتي فراحت تشرح كل ما تعرفه عن جراحات تجميل الأنف. وكانت فرصة رائعة لم أتصورها من قبل. وهنا طلبت منها أن تشرح كل شيء قالته لي لوالدي لعلهما يقتنعان بضرورة إجرائي للعملية وعدم وجود مخاطر مبالغ بها كما يرددان دائماً. وفعلت جارتي ذلك. ولم يقتنع والدي بسهولة أو مباشرة لكنهما وافقا على اصطحابي لرؤية الجراح رئيس جارتنا. وبدأ مشوار الفرح منذ تلك اللحظة. واقنع الجراح والدي وخصوصاً أنه وفر لهما استشارة ثانية مع جراح آخر أجاب على كل أسئلتهما وأسئلتي.
وفي إجازة الصيف ذاك العام أجريت العملية ولم اهتم للألم الذي كنت أشعر به بعد العملية ولم اهتم لمنظر الكدمات التي خلفته العملية مباشرة بعدها.. وتحملت كل شي وأنا في غاية السعادة. وبلغت سعادتي ذروتها عندما بدأ أنفي الجدي يأخذ شكله الطبيعي بعد أسابيع من العملية. وأتذكر أنني ذات وتأملت أنفي النوم فزعة على صوت الرياح والأمطار في الخارج ولسبب ما قفز لعقلي تعليق ساخر لن تتبلل قدميك عندما تمطر وأنت بأنف كهذا.. أسرعت للمرآة وتأملت أنفي جيداً. وكان مناسباً لبقية ملامحي.
ابتسمت وخرجت رغم المطر لحديقة المنزل وأنا بثياب النوم. ورقصت تحت المطر الهادر وأنا أصرخ بسعادة. وتبللت قدمي.. تبللت قدمي..

دون ساردون


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved