يذكر الأمريكيون خلال الستينيات من القرن الميلادي المنصرم كيف أن كندا، قد أصبحت ملاذاً لعشرات الآلاف من الجنود الهاربين من الخدمة في حرب فيتنام، غير أنه بدا أن التاريخ يعيد نفسه، إذ إن بضعة أفراد من القوات الأمريكية اتجهوا صوب الحدود الشمالية قاصدين كندا أيضا وهذه المرة هرباً من الحرب في العراق، وقال أحدهم إنه لن يعود إلى هناك ليقتل المدنيين، مستشهداً بوقائع في هذا الصدد قتل فيها زملاء له نساء وأطفالاً دون ذنب في نقاط التفتيش وفي غيرها.
غير أن قتل المدنيين دون ذنب لم يكن يحتاج لشهادة هذا الجندي، فالوقائع في هذا المقام متعددة، لكن شهادته ضرورية لإقناع بني جلدته بأن الحرب التي يخوضونها هناك تشمل قدراً من الفظائع التي كان يمكن الاستعاضة عن جانب منها إذا تم تبني نهج سلمي في حلحلة المصاعب القائمة.
إن المأساة الإنسانية في العراق تتفاقم، وهي مرشحة للمزيد من التعقيد طالما أن الرهان قائم على الحل الاستئصالي الذي يفضي إلى المزيد من العنف، والمؤسف أن الضحايا معظمهم من المدنيين، وسيكون من شأن الإفصاح عن المزيد من القصص المريعة عن قتل المدنيين تنبيه الرأي العام العالمي إلى أهمية تبني أسلوب آخر غير هذا القائم الآن، فهناك قطيعة كاملة بين الأطراف الفاعلة أو المقاتلة على الساحة العراقية، وهناك فوضى تسمح بانخراط كل من يستطيع العثور على بندقية أن يدخل إلى ساحة المعركة أو إلى الشوارع الخلفية ليمارس القتل أو النهب أو الخطف، وهناك متسع لعمل العصابات من كل نوع بما في ذلك المرتزقة القادمون من وراء البحار.
إن الاصوات المسموعة في خضم هذا المحيط المضطرب من العنف هي في الغالب أمريكية، وهؤلاء بدأت أصواتهم ترتفع مؤخراً معبرة عن ضيق واضح بهذه الحرب العبثية فعلاوة على الهروب إلى كندا كما أشرنا، فهناك من لجأ إلى المحكمة علها تعينه ضد الفرقة التي يعمل بها بعد أن انتهت مدة تطوعه بالجيش ومع ذلك فإن الجيش يطالبه بالاستمرار في الخدمة لكن جندياً تعرض للموقف خسر الدعوى وتعين عليه أن يعود مجدداً ليواجه أهوال القتل دون هوادة.
ومن الواضح أن الكل يضج من هذه الحرب، خصوصاً أولئك المكتوين بنيرانها، غير أن الأصوات العراقية تبدو مكتومة، ونعني بذلك المدنيين العزل الذين يجدون أنفسهم بين النيران المتقاطعة، ومع ذلك فإن الأمريكيين ذاتهم يظهرون ضيقاً متزايداً، فإلى جانب الوقائع التي أوردناها، فإن وزير الدفاع الأمريكي تعرض لسيل من الانتقادات من جنوده الذين يعملون في الخطوط الأمامية الذين اشتكى بعضهم من تهالك المعدات والآليات التي يستخدمونها، وقال جندي إنهم يضطرون إلى الاستعانة بالخردة من أجل تعزيز تصفيح مركبتهم.
وسيفيد كثيراً أن ترتفع الأصوات المناوئة للحرب من الجانبين، فذلك ضمن وسائل عديدة قد تسهم في وقف هذا الجنون.
|