* قرأت في صحيفة المدينة، في العدد الصادر بتاريخ 22-6-1425هـ، عبر صفحتين: (وزير النقل في ندوة بالاتفاق مع مجلة النقل والمواصلات، تطبيق النقل الذكي) إلخ.. حفل التحاور بآراء ثمانية من الإخوة الذين اختيروا للدخول في الحديث في قضية مهمة جداً.. وأكبر الظن أنها لا تحسم بجرة قلم، ولا بحديث عابر غير معد وغير مدروس، ثم إن أصحاب الشأن الذين ينبغي أن يدرسوا ويتحدثوا كثيرا، وهم أقرب للخوض في هذه القضية! ولعل هذا الموضوع الذي طال وكثر فيه الحديث منذ نصف قرن، وهو يمس نقل الحجاج والمعتمرين، ولعلها رؤية تمتد إلى المستقبل البعيد يراعى فيها ازدياد عدد الحجاج والمعتمرين من الخارج والداخل.. وهي تحتاج أن توكل إلى مجلس الشورى، ويشاركه في ذلك أهل الذكر، لتدرس بأناة من قبل مختلف آراء من في المجلس، ويعطى مدة كافية، لمخض الآراء المختلفة، ثم يخرج بقرار صائب بإذن الله، يقدم إلى الحكومة التي أمرها ربها بالشورى، لتقرر ما يخدم هذا الموضوع، ويحقق الآمال الطموحة.. لأن الأمة الحية الواعية، لا تعيش أمسها ولا يومها، وإنما تخطط وتبني للغد، وتضع في حسبانها كل الاحتمالات، ومنها المتغيرات بكل مفاهيمها، والاحتياط لزيادة التقديرات، لأن الحسابات الضيقة تفضي إلى النقص والعجز، وقالوا: الاحتياط واجب..!
* وخلال وقفاتي، فإني أحاور ما قرأت وأبدي رأيي المتواضع وليس القاطع، ورحم الله المتنبي القائل: (الرأي قبل شجاعة الشجعان)، ولا أزعم أني أدرى الناس وأذكى الناس وأوعى الناس وأحسن الناس إلخ، نتمنى كأمة، انطلاقاً من حبنا لوطننا، الذي نريد له الخير والرقي، ولأمتنا الحياة الكريمة الخليقة بها، من خلال الأمر شورى، والشورى لها أهلها الحقيقيون بها، والقادرون منا يدلون بآرائهم، ثم يتركون الأمر بعد الله لمن هم أهله من المخلصين والصادقين الأوفياء، وإلى الله ترجع الأمور، نتمنى أن نحقق طموحاتنا الكبار عبر إنجازات واعدة ثرية!
* يقول وزير النقل الدكتور جبارة الصريصري نحن متأخرون في مجال النقل العام بسبب التكلفة، ماذا يقصد بأن النقل العام في المملكة متأخر بسبب تكاليفه؟ وهل هنالك شيء في هذه الدنيا ذو قيمة بلا تكاليف، وهل استطاعت الدول الفقيرة والمتقدمة، مثل مصر وسوريا والمغرب وتونس وغيرها تأسيس سبل نقل جماعي منظم وعملي رخيصاً، و(ببلاش)، رغم ما تعاني منه من ديون وفقر وقلة الموارد، أم هي حجة لفتح الباب أمام أصحاب المصالح الخاصة، للاتجار في وسائل النقل التقليدية الراكدة والبطيئة وكسب أكبر قدر من المال، دون أي مسؤولية أو اهتمام بالمصلحة العامة أو الارتقاء بالنقل!؟
* وانطلاقاً من هذا الحديث، أقول لمعالي الوزير: إن التلوث متفش وبكثرة، والزحام المروري في كل مدينة، والحوادث القاتلة لا حصر لها، والقنابل المتحركة في السيارات القديمة وغير الصالحة للسير، تكاد تفوق عدد البشر!
* أكد الوزير (أنه سيتم تطوير موانئ جازان وضباء وينبع وغيرها)، فهل الدافع إلى هذا التوجه هو تخفيف الأعباء عن ميناء جدة؟ وهل ستوزع الواردات والصادرات على بعض الموانئ الجديدة؟ وكيف سيكون نقل السلع والحجيج من الموانئ القديم والجديد إلى المدن المختلفة؟ هل عن طريق الشاحنات والحافلات أم عن طريق شبكة راقية من القطارات، التي تعتبر وعلى صعيد العالم بأكمله أفضل وأرخص وأكثر أماناً، وأسرع وسيلة للنقل!؟ ولكن في عالمنا المتحضر، يقول أصحاب المصالح ممن يستورد ويتاجر في السيارات والشاحنات والحافلات وغيرها، إن القطارات غير مجدية ومكلفة وأن سلبياتها أكبر من إيجابياتها! فهل يعقل هذا؟ وهل نصدق ذلك أم نصدق اللوائح العلمية والدراسات الميدانية والخبرات الطويلة في الاعتماد على القطار في جميع أنواع النقل!؟ وهاكم بعضها:
* نقل البضائع والسلع.
* نقل مختلف الركاب والمسافرين.
* نقل الجنود والعتاد.
* نقل المثقلات والحديد والأسمنت والرمال والحصى.
* نقل النفايات والمواد التي يعاد تصنيعها.
* نقل المواد الكيماوية والبترولية.
وليس هنالك حصر لأنواع النقل التي يمكن استغلال القطار فيها، فالمجال مفتوح والتكلفة زهيدة، وأكثر أماناً من أي نوع من السبل الأخرى.
* قبل (30) عاماً، استوردنا سيارات إلى البلاد بمبلغ ستة مليارات من الريالات، فهل نستطيع التكهن ما قد يكون وصل إليه هذا اليوم!؟ لقد بلغ التمويل المصرفي للمركبات في 2002م (36) بليون ريال، حسبما جاء في العدد (67) من مجلة النقل والمواصلات، صفر 1425هـ.
* الأتراك كانوا حراصاً على ربط العالم الإسلامي ببعضه، وكان الخيار للبناء سكك حديدية لا تزال موجودة بقاياها حتى اليوم! فهل هم مخطئون؟
* وفي إنجلترا، حيث هنالك القطارات التي تسير تحت الأرض وفوقها، لأكثر من مائتي سنة، دون أي مشاكل تذكر، حيث يعيش عدد بلا حصر من الناس في الضواحي للهروب من الزحمة والضوضاء على مسافة خمسين ميلاً أو أكثر، ويستعملون القطار كل يوم للذهاب للعمل ويصلون إلى أعمالهم قبل مواعيد بدء العمل!
* كثير من دول افريقيا، الغنية بالفاكهة والخضرة لا تستطيع إيصال هذه الخيرات إلى الأسواق، وكذلك الكم الكبير من الفقراء والمعدمين فيموت البشر وتتلف المحاصيل الزراعية، واسألوا معالي الدكتور أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية، عن ذلك إذا أردتم أن تتأكدوا!
* إن كثيراً من المزارع في المملكة تفلس أو تقلل من إنتاجها بسبب عدم وجود نقل رخيص وسريع لإيصال هذه المحصولات في وقتها إلى الأسواق لتصريفها، ولتحقيق الكسب الحلال الذي يعين المزارع على الحياة الكريمة، والاستمرار في زيادة إنتاجه الموسمي، مما له أكبر الأثر في تقليل استيراد محاصيل من الخارج، وصولاً إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي.
* في الهند وغيرها من دول آسيا، حيث الفقر وقلة الموارد والعدد الذي تجاوز المليار تعتمد هذه البلاد اعتماداً كبيراً على القطارات في نقل كل شيء!
* وفي الولايات المتحدة الامريكية التي تعتبر أكبر دول العالم صناعة للسيارات، ولديها من الطرق السريعة وأنظمة المرور ما لا مثيل له في العالم، تسيّر القطارات رغم صعوبة التضاريس من جبال شاهقة وأودية وثلوج وأمطار وأعاصير في ولاياتها.. ونحن وقد هيئت لنا السبل، لم نستغل سهولة التضاريس ووفرة المال إلا في زيادة استيراد السيارات وضياع وهدر أموال البلاد في شراء هذه الوسيلة بجميع أنواعها وأقيامها، ومن هذا المستورد، المستعمل والمستهلك الرديء، دون تقويم لها قبل دخولها إلى البلاد!
|