Saturday 11th December,200411762العددالسبت 29 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
العمل الخاسر
عبدالرحمن صالح العشماوي

من شَرِّ ما يُبْتَلى به الإنسانُ في هذه الدنيا أن يضطربَ فَهْمُه لما يقدم عليه من الأعمال، ويردده من الأقوال، حتى يتلبَّسَ عنده الباطلُ بصورة الحقّ، ويرى أنه الحقّ، فينطلق في طريقه حتى تتجلى له الحقيقة في الدنيا، فيعضّ أصبع الندم، أو في الآخرة فيكون الخسران المبين.
إنَّ الدعاء الذي أوصانا به ديننا الحنيف (اللهمَّ أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطلَ باطلاً وارزقنا اجتنابه) يدل دلالة واضحة على خطورة التذبذب والاضطراب في الفَهْم، وعلى حاجة الإنسان المسلم إلى هداية ربه وتوفيقه ورشاده في معرفة الحقِّ والباطل؛ حتى لا تشتبه عليه أمورهما فيقع في المحظور، وينتهي عمله بالخسارة، وهو يظنُّ أنه يسيرُ في طريق الرِّبح.
إنَّ المُتَأمِّلَ في صورة العمل (الإجرامي) الذي حدث في مدينة جدة أخيراً، المتمثل في ذلك الهجوم الطائش على القنصلية الأمريكية فيها، ليدرك بكل المقاييس خطورة غياب الوعي والرشد عن أذهان بعض الناس، ويشعر بأهمية الرؤية الواضحة للحق والباطل التي ندعو الله سبحانه وتعالى دائماً أن يرزقنا إيَّاها. ذلك العمل الذي يخرج بكلّيته عن الصواب والحقّ، ويدخل في باب الاعتداء الآثم الذي لا فائدة فيه أبداً، وإنما هو قتلٌ لأبرياء، وترويعٌ لآمنين، ومحاولةٌ لهزِّ أركان خيمة الأمن التي تظلل بلادنا بنعمة من الله وفضل. ولو لم يكن في هذا العمل الإجرامي إلا إحداث الترويع والذُّعر في النفوس لكان كافياً لوصفه بأنه عمل إجرامي، فكيف به وقد كان سبباً في إراقة دماء محرمة، والقضاء على حياة أناسٍ من جنسيات مختلفة كانوا يعيشون حياتهم في أمان واطمئنان.
إنَّ مواجهةَ العدوّ الصَّائل الذي يقتل ويهدم ويحرق شيءٌ، وترويعَ الآمنين في أي مكان من هذا العالم - سواء في المملكة أو غيرها - شيءٌ آخر.. مدافعةُ العدوّ ومقاومته أمرٌ مشروعٌ، وحقٌّ من حقوق المعتدى عليهم.. وترويع الآمنين بأية صورة من الصور محرمٌ بنصوص واضحة من كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإنَّ الخلط بين الأمور هو المصيبة الكبرى التي يقع فيها أصحابُ النَّظرِ القاصرِ من البشر.
لقد كان بإمكان هؤلاء الشباب الذين فعلوا ما فعلوه في جدة وغيرها أن يتأملوا الخير الكثير الذي في بلادهم، وأن يدركوا أبعاد الهجمة الصهيونية وغير الصهيونية الموجهة إلى هذه البلاد، فيكونوا سواعدَ بناءٍ ودعمٍ للخير، وسعيٍ دؤوبٍ راشدٍ في نشره على مستوى العالم كله، وتوسيع مساحته في نفوس الناس، ويكونوا - أيضاً - سدَّاً منيعاً أمام تلك الهجمات التي تستهدف أمن قلعة الإسلام الصامدة - بلاد الحرمين ومهبط الوحي -.
وإنَّني لأتذكر هنا كلمتين علمهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - للحصين حين قال له: (قل: اللهمَّ أَلْهمني رشدي، وقني شرَّ نفسي)، فأكررهما دعاءً صادقاً لي ولكل مسلم، سائلاً المولى - عزَّ وجلَّ - أن يحفظ أمن بلادنا ويكفيها شرَّ أعدائها.
إشارة


بلادٌ كتابُ اللهِ لَمْلَمَ شَمْلَها
كما لَمْلَمَ العسَّالُ شَمْلَ المَنَاحلِ
الأمير خالد الفيصل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved