صدر قرار وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور علي النملة بإنشاء الإدارة العامة للحماية الاجتماعية. وهذه الإدارة مكلفة باتخاذ التدابير اللازمة لحماية بعض أفراد المجتمع المعرضين للإيذاء حماية: (إيوائية، شرعية، نفسية، اجتماعية) بما يحقق لهم الأمن الاجتماعي ويراعي مصالحهم. وقد نص القرار على الفئات التي تخدمها هذه الإدارة مبدئياً وهم:
1- الطفل وفق السن التي حددتها اللوائح الاجتماعية العالمية من ثمانية عشر عاماً فما دون.
2- المرأة أياً كان عمرها.
ونأمل أن تكون هذه الإدارة الجديدة بداية تمهيدية - إن شاء الله - ونواة لهيئة عليا للأسرة والطفولة في بلادنا وحمايتهم من الإيذاء الجسدي والنفسي والجنسي الذي قد يتعرضون له داخل أسرهم!!
وفي المقال السابق تم تناول الرد الوارد من منسق الإدارة العامة للحماية الاجتماعية، وأحد أعضاء (اللجنة المخولة بوضع نظام حماية الأطفال).
وقد أبديت جهلي بإنشاء تلك الإدارة لعدم تسليط الضوء على دورها وجهودها إعلامياً على الرغم من أهميتها في المجتمع، ولعل ذلك يعد قصوراً من العلاقات العامة في الوزارة نأمل تلافيه!! وهي دعوة للإدارة العامة للحماية الاجتماعية أن يواكب إنشاءها حملة إعلامية لتعريف جميع أفراد المجتمع بها وبأهميتها وبدورها.
ولعل إنشاء تلك الإدارة يكون رادعاً لمن تسول له نفسه ارتكاب أي شكل من أشكال العنف ضد المرأة والطفل، كما يعد تشجيعاً لمن يتعرض للإيذاء بالتوجه نحو هذه الإدارة والإبلاغ عما تعرض له حتى يتم اتخاذ كافة التدابير العلاجية لإيقاف العنف الأسري تجاه هذه الفئات.. ونشر الفكر الوقائي ضد العنف!!
والحقيقة أن الزوجة والأبناء - وبالذات البنات - يظلون هم الأكثر تعرضاً للعنف العائلي في الأسرة إما بالضرب أو التهديد أو حبس الحرية أو الحرمان من الضروريات أو الطرد من المنزل بيد أن العنف النفسي يظل أقسى أنواع العنف الموجه ضد النساء تحديداً.
فالزوج يمارس اضطهاداً بعدة أصناف وألوان ضد الزوجة بينما تقف أسرة الزوجة عاجزة أمام طوفان العنف فلا يستطيع أحد أن يقف في وجهه طالما هناك أطفال، ولا يدفع الثمن سوى الزوجة وحدها!!
فالرجل قد يمارس على المرأة ابتزازاً مستمراً من خلال التهديد بأخذ الأبناء وإن هي طالبت بحقوقها، أو فكرت في مغادرة المنزل - رغم سوئه - فلن تستطيع في ظل هذا الاضطهاد المستمر، فتضطر للبقاء في منزلها وتحمّل الظلم ومكابدة الألم من أجل أطفالها..
والمجتمع يتعامل مع هذه الأمور باستخفاف وبلا مبالاة على اعتبار أن المرأة لا بد أن تتحمل وتصبر!! بل إن بعض الزوجات تستمر معاناتها بصمت بحجة المحافظة على كيان الأسرة المتصدع، وترى أن ما تقوم به عملاً بطولياً يستحق الإشادة!!
والمجتمع - أيضاً - يرحب بهذا السلوك ويصنفه تحت مسميات العقل والحكمة وحسن التصرف، والنتيجة جيل ضائع من الأبناء إما حاقداً على الأقوياء أو متسلطاً على الضعفاء!!
وما ظاهرة (اختفاء أو هروب) بعض الفتيات من منازل أسرهن إلى بعض أقاربهن أو إلى الجيران إلا صرخة تمرد في وجه الظلم الواقع على الفتاة من الأسرة، والمجتمع على حد سواء.
ويأتي هذا الظلم من الفهم الخاطئ لنصوص الشريعة، ونهج لبعض العادات الجاهلية والمعتقدات التي ما زالت تعشعش في عقول بعض أولياء الأمور بحجة محاربة التمرد والتحرر، وهو في الحقيقة يريد أن يبقى صاحب الرهبة والعظمة، والاستبداد والتسلط والتحكم حتى بحقوقها الشرعية والمدنية، فتضطر هذه الفتاة للهروب من محيط أسرتها أو قريتها إلى المدن المزدحمة للتخلص من السيطرة: الذكورية سواء كان أباً أو أخاً حين ينوب عنها في تقرير شؤونها، فهي تلجأ إلى الهروب، وما تتعرض له من مخاطر، ولست هنا بصدد مباركة هذا الفعل المتمرد، أو تبريره، ولكن يمكن الاستناد عليه كرد فعل سلبي وغير مسؤول من قبل الشخص الضعيف الذي لم يجد غير هذا المخرج الضيق!! فضلاً عن كونه يمثل نوعاً من المقاومة والرفض للاستبداد، ويعتبر الهروب ظاهرة اجتماعية خطيرة لم تلقَ التجاوب الكامل من المجتمع أو مؤسساته بدراسة الأسباب ومعالجتها.
ولعلنا نتساءل: من يحمي النساء من تسلط الأزواج أو الآباء أو الأخوة؟.
ومن يوقف استمراء بعضهن بالعنف الموجه لها بحجة حماية الأسرة؟!!
ومن المسؤول عن تصحيح بعض المفاهيم الموغلة بالجهل؟!
أليس من المناسب طرح هذه التساؤلات على الإدارة العامة للحماية الاجتماعية؟ ومطالبتها بتصحيح المفاهيم الخاطئة المتسمة بالجهل بما يخص المرأة، لا سيما أن الشريعة الإسلامية متمثلة بالقرآن وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام دعت إلى إكرام المرأة وحثت على التقوى حين التعامل معها.
قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}.
وعن عمرو بن الأحوص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول: (.. ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم).
وقال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله)، والزواج ليس معركة بقدر ما هو مودة ورحمة!!
كما أنها مناسبة أن نطالب إدارة الحماية وجميع المؤسسات الاجتماعية بضرورة نشر الوعي الأسري للتمكن من تخطي المعوقات وفق المثل والقيم الاجتماعية الإنسانية، والحرص على وضع الأسرة بحالة استقرار، وليس بالضرورة حالة استمرار، ولا ريب أن الشخصية السوية هي بحق نتاج الأسرة المستقرة.. فوجود الأطفال مع أحد الوالدين المدركين معنى الرعاية والتربية الصحيحة والحماية أفضل من وجودهم تحت غطاء أسري متصدع أو آيل للانهيار والسقوط!!
ص. ب: 260564 / الرياض: 11342
|