لقد أنجز مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني خطوات كبيرة خلال عمره القصير، بعضها منظور الدولة والمجتمع من خلال التوصيات الختامية للقاءات الدورية، وبعضها الآخر غير منظور في نواحٍ فكرية ونفسية واجتماعية .. وقد كانت أبرز منعطفات الإنجاز تنظيم أربعة حوارات كبرى في المجتمع السعودي، بدأت بالرياض من خلال حوار القيادات الفكرية في المجتمع، ثم مكة المكرمة عبر حوار القضايا الاستراتيجية الكبرى في المجتمع.. القضايا السياسية، والاقتصادية، والإعلامية، والتربوية .. وتلاهما اللقاء الثالث بالمدينة المنورة عن المرأة وحقوقها وواجباتها .. وأخيراً في الأسبوع الماضي كان الحوار الرابع عن قضايا الشباب بالمنطقة الشرقية .. وقد استمتعنا بحوار واعٍ لشباب وشابات هذه البلاد من خلال طروحات تعكس احتياجات هذه الفئة الغالية من مجتمعنا السعودي ..
والسؤال الذي ينبغي طرحه مجدداً.. ماذا بعد الحوار الرابع؟ حيث من المفترض أن يقفز المركز بخطوات نوعية جديدة في إطار تحقيقه لأهدافه المرسومة في نظامه الأساسي، وفي إطار توجهات ورغبة المجتمع في أن يمارس هذا المركز مرحلة جديدة من مراحل تطوره ... وربما يكون الوقت قد حان لأن يبدأ المركز تشكيل لجنة وطنية من العلماء والمفكرين والأكاديميين والخبراء في المجالات والتخصصات المختلفة لدراسة هذه الحوارات المهمة التي نظمها المركز خلال العامين الماضيين.. وتقييم التوصيات التي صدرت من خلال هذه اللقاءات المتنوعة.. وطرح مشروع إصلاح وطني كبير يتناول مختلف قضايا المجتمع وهمومه ومسئولياته ..
ومن اطلع على كافة التوصيات التي رفعتها اللقاءات الأربعة يلاحظ أنها في مجملها تكون مشروع تطوير وتحديث جديد في الحياة السعودية، وتمثل رؤية وطنية مخلصة جاءت من شخصيات (رجال ونساء، كبار وصغار) عاقلة ومتزنة، وترغب في تطوير مجتمعها ومؤسساتها إلى أفضل وضع وأحسن مستوى .. ولهذا فإنّ مجمل هذه التوصيات تشكل مساحة واسعة من الإصلاحات الوطنية التي يحتاجها المواطن، وتؤيدها القيادة السياسية السعودية .. وربما يكون الوقت مناسباً الآن في صياغة مشروع وطني شامل، يتناول مختلف قضايا وهموم الدولة والمجتمع .. ونأمل ونقترح على مركز الملك عبدالعزيز أن يسارع في تشكيل هذه اللجنة الوطنية لدراسة وتقييم مجمل التوصيات، واقتراح أولوياتها في الخارطة الاجتماعية في المملكة .. وهذا المشروع الوطني يحتاج إلى عقول مركزية، ورؤية ثاقبة، وفكر استراتيجي للمرحلة القادمة من تطور ونمو وتحديث المجتمع والمؤسسات .. ومن المهم جداً، أن يكون ضمن فكر هذا المشروع برنامج زمني يحدد الأولويات في القضايا والبرامج التطويرية، ويحدد القضايا المتزامنة وكيفية تناولها، وآليات عملها وتنفيذها.
لقد لمسنا خلال استقبالات الأمير عبدالله بن عبدالعزيز للمشاركين في هذه الحوارات واللقاءات اهتمامه - حفظه الله - بالحوار الوطني من ناحيتين أساسيتين، هما الآلية والمضمون، أو المنهج والموضوعات.. أو ثنائية الإجراءات والمخرجات .. وهذا في حد ذاته أعطى قوة كبيرة لمثل هذ الحوارات .. ولهذا فقد أعطى سموه صلاحيات واسعة لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في أن يعنى بالإجراءات وأعطى حرية كاملة للمشاركين أن يبدوا كل أفكارهم وطروحاتهم على طاولة النقاش وبلغة حوار حضارية ولهدف وطني سامٍ ..
هذا الاهتمام الرسمي يمثل مصدراً مهماً في كون هذه الإصلاحات التي يطرحها المشاركون في هذه اللقاءات هي محط اهتمام وتقدير من المؤسسة السياسية. وتسعى هذه المؤسسة إلى أن تكون هناك إصلاحات وطنية تحقق طموحات المواطن وتؤسس لدولة عصرية تواكب مستجدات القرن الحادي والعشرين ..
وما قد تقوم به اللجنة الوطنية المقترحة من صياغة مشروع إصلاحات وطنية تعكس مختلف جوانب التوصيات العامة التي طرحتها اللقاءات السابقة، هو بمثابة تعزيز لمكانة المركز ودوره الحيوي في المجتمع السعودي ..
وأخيراً، فنؤكد هنا أن القيادة السعودية قد وضعت أمامها هدفاً محدداً وواضحاً في أن تخطو هذه البلاد إلى آفاق واسعة من التنمية والتطوير والتحديث، لتجعل من بلادنا دولة مؤسسات عصرية تواكب توجهات القيادة وتلبي طموحات المواطن ..
( * ) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
|