رحم الله العقاد فلقد كان طوداً شامخاً راسخ العقيدة قوي الشكيمة بعيد الغور عميق المعرفة.. صارماً في الحق.. روي عنه انه اذا قال: لا.. لا يقول نعم.. واذا ما كرر عليه القول قال بصراحة..
.. ان العقاد اذا قال لا فإنها لا الى الابد..
ولا أريد هنا أن أتحدث عن شيء من خصائصه سواء منها النفسية أو العلمية فذلك أمر كفيت اياه فهو موزع بين طيات الكتب ومعروف لدى محبيه وكارهيه على السواء.
أحب العقاد.. ولكني لا أقرأ له الا نادراً.. وأشتري كتبه وألح على نفسي لاستيفاء كل ما طبع له.. ولكنني لا أجد نفسي تواقة الى قراءاته.. فذلك يحملني شططاً.. فهو كما قال عن نفسه ان العقاد لا يكتب للتسلية أو هذا معنى ما يقوله.. ومعنى ما تعبر عنه كتبه الكثيرة في المعارف شتى..
بين يدي الآن كتاب قيم وكان بودي أن أقرأه واتحف القارئ بعرض موجز عنه.. ولكن أفكاره عصية.. ومحتوياته أعمق في الغموض.. وانني لفي مغالبة معها.. وعسى ان أجد الوقت المناسب لهذه الامنية..
الذي لفت نظري في ذلك الكتاب قوله: (تتجدد العلوم الإنسانية مع الزمن على سنة التقدم فلا تزال بين ناقص يتم، وغامض يفصح، وموزع يتجمع، وخطأ يقترب من الصواب، وتخمين يرتقي الى اليقين، ولا يندر في القواعد العلمية العلمية ان تتقوض بعد رسوخ، أو تتزعزع بعد ثبوت، ويستأنف الباحثون تجاربهم فيها بعد ان حسبوها من الحقائق المفروغ منها عدة قرون، فلا يطلب من كتب العقيدة ان تطابق مسائل العلم)..
بهذه الكلمات المليئة بالحكم والمعرفة.. وضع المعالم أمام التائهين على مفترق الطرق الذين يصدرون أحكامهم بدون ورع أو روية.. عفويون في كل شيء.. سطحيون في كل شيء.. مخطئون في كل شيء.. ومع ذلك لا يجدون حرجاً في الخوض في كل غمار.. والدلوف في كل معمعة.. سلاحهم الشك.. وعدتهم التسلط ان علينا أن نفهم الحياة بما فيها.. واذا فهمنا ذلك تمكنا من فهم الدين والدنيا معا..
ورحم الله العقاد رحمة واسعة.. وانني على موعد مع القارئ في استعراض كتابين هامين من كتبه احدهما (الفلسفة القرآنية) والآخر (الإنسان في القرآن) والله أسأل أن يوفق الجميع.
|