سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بعد كتابتي مقال (إلى متى هذا الصمت أيها المعلمون؟) الذي نشر بصفحة الرأي بجريدة الجزيرة يوم الاثنين الموافق 18-9-1425هـ تلقيت ردود فعل غاضبة من اخواني المعلمين، يلومونني فيها على هذا النقد الحاد والهجوم العنيف وانهم يعانون الأمرين مع طلابهم، ويعانون مشاكلهم وسوء أخلاقهم وأفعالهم وأنا أقول هنا تعقيباً على مقالي السابق:
لا يشك عاقل في أهمية العملية التربوية وصعوبة الاعداد لها وتحمل أعبائها ومشاقها التي لا تنتهي عند حد معين، فالمعلم اليوم يحمل امانة عظيمة، فقد استأمنه المسلمون على أغلى ما يملكون، استأمنوه على رؤوس أموالهم وفلذات أكبادهم، استأمنوه على قرة أعينهم وبهجة حياتهم، ولما كانت طبيعة العملية التربوية هي التعامل مع هؤلاء الناشئة المتفاوتين في أعمارهم وأفكارهم وظروف حياتهم الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، كان لزاماً على المعلمين ان يتعاملوا مع طلابهم بحكمة وعلم، وحلم واناة، وتحمل للزلات والهفوات، وأن يقدروا مراحل العمر المختلفة التي يعتري الشاب فيها ما يعتريه من حب للظهور، وإثبات للنفس والحضور، وما ينتج عن ذلك من تصرفات لا مسؤولة، ومغامرات عواقبها مجهولة.
ولذا كان لزاماً على المعلمين ان يعرفوا نفسيات طلابهم، وأن يراعوا مشاعرهم، ويقدروا ظروفهم الاجتماعية والأسرية، وان يكونوا عوناً لهم في تجاوز ازماتهم ومشكلاتهم.
انني لا احمل المعلمين هنا مسؤولية انحراف الشباب، وأعلم علم اليقين ما يلاقيه إخواننا المعلمون وفقهم الله من جهل طلابهم وطيشهم، والتطاول عليهم بلفظ أو بآخر.. ولكن اعتب على بعضهم في أسلوب التعامل مع هؤلاء الفتية، ذلك الأسلوب الجاف الفظ الغليظ الذي يتخذه بعض المعلمين ومدراء المدارس شعاراً فلا يحاولوا ان يعرفوا ما عند طلابهم من هموم ومشاكل، وظروف وآلام.
إن من أشد ما يواجه رجال الأمن اليوم من مشاكل وجرائم انما هو بسبب تسرب هؤلاء الناشئة من المدراس، وحقدهم على اهلها بسبب موقف تعرضوا له فأرادوا ان يثبتوا وجودهم على حساب الآخرين وان يفرضوا رأيهم حتى لو كان في ذلك هلاكهم وكل ذلك يجري بسبب غفلة أولياء أمور هؤلاء الناشئة وتنصلهم من وظيفتهم الأساسية في تربية ابنائهم، وتركهم رفقاء السوء من شياطين الإنس الذين يجوبون الشوارع والأسواق بحثاً عن فريسة بأيديهم.
كما ان ايثار بعض رجال التربية والتعليم السلامة، والبعد عن خوض غمار الحياة، والتهرب التام من المسؤولية وإلقائها على البيت تارة، وعلى المجتمع تارة أخرى وعلى الوزارة تارة، لهو سبب رئيس فيما نشاهده في شبابنا من سلوكيات منحرفة، وافكار مضللة وتصرفات لا مسؤولة.
إن كثيراً من الشباب اليوم وخصوصاً في سن المراهقة ليحتاج إلى من يسمع همومه، ويبث إليه شجونه، لا من يزيد الهم هماً والحزن غماً، ولن يفصح الشاب عما يحيك في نفسه من هموم واشجان الا لشخص وثق بمحبته له واشفاقه عليه، ولذا كان واجباً عليكم ايها المعلمون ان تفتحوا صدوركم لطلابكم لسماع همومهم وتلقي مشكلاتهم، وان تحاوروهم وتدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة من غير عنف ولا تجريح، والا تفرضوا عليهم آراء تصادر حرياتهم، وتحطم آمالهم وتطلعاتهم.
ولتعلموا أن الشباب ان لم يجدوا منكم صدراً رحباً، ونفساً متقبلة لآرائه وتساؤلاته فإنهم سيجدون من يحتضنهم من شياطين الإنس والجن.
إن كثيراً من الشباب المنحرفين تشترك الأسرة والمدرسة في انحرافهم، فالأسرة ضائعة لا يجد فيها الشاب المكان المناسب لتلقي همومه ومشاكله، بل قد يزداد الأمر سوءاً إذا نشأ الشاب في ظروف اجتماعية قاهرة، فبعضهم ينشأ يتيماً عند زوج والدته، والآخر ينشأ في احضان زوجة أبيه، والبعض الآخر ينشأ بعيداً عن والديه.. ثم يأتي أمثال هؤلاء إلى المدرسة وهم مثقلون بهموم الدنيا، محملون بالآهات والزفرات تزاحمت الهموم بين اعينهم، وتحشرجت الاشجان في صدورهم، ابيضت اعينهم من الحزن، وتقطعت قلوبهم من الحرمان، فيزداد الامر سوءاً إذا قوبلوا بقرع وتوبيخ، وعنف وتجريح، فتضيق الدنيا بهم، وتسود الحياة في وجوههم حتى يصبحوا كالقنابل الموقوتة التي تنتظر من يشعل لها الفتيل، فتنفجر على المجتمع بأسره، ويكتوي بلظاها القريب والبعيد العدو والصديق.
نعم.. نحن لا نحمل المدرسة النصيب الأكبر في ضياع هؤلاء الشباب ولكن نريد أن تكون المدرسة مصلحاً لما يفسده الآباء، نريد ان يتفقد المعلمون أحوال طلابهم ان يعرفوا مشاكلهم وظروفهم، أن يراعوا الفروق الفردية بينهم فلا يحملوهم ما لا يطيقون، ولا يكلفوهم اكثر مما يستطيعون، وليكونوا عوناً لأبنائهم على تخطي تلك المرحلة العمرية الحرجة، بأن يتحملوهم، ويصبروا على اساءتهم، ويقابلوها بالإحسان، رجاء لثواب الله عز وجل وابتغاء لمرضاته.
اسأل الله عز وجل ان يحفظ لبلادنا أمنها واستقرارها، وأن يجعل شبابها قرة أعين لوالديهم ولمجتمعهم، وأن يوفقنا واياهم لكل خير.
الملازم أول
محمد بن عبدالعزيز المحمود
الأمن العام - شرطة منطقة القصيم |