Friday 10th December,200411761العددالجمعة 28 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

مشكلة الفقر مشكلة الفقر
د. زيد بن محمد الرماني *

إن مستقبل الإنسانية مهدد بشكل عام بسبب تزايد وانتشار الفقر، فبسببه تتعثر الكثير من مسيرات وخطط التنمية، وتتزايد أيضاً بسببه الهوة بين الأغنياء والفقراء، مما يؤدي إلى زوال أحلام الشعوب والدول في الوصول إلى مستوى إنساني أفضل تتوافر فيه الحياة الكريمة للأفراد.
خاصة فيما يتعلق منها بالاحتياجات الأساسية مثل التعليم والصحة والمأكل والمشرب، وتؤثر اختفاء إمكانية تحقيق أمل الشعوب في التنمية وصعوبة كفالة الحاجات الضرورية للأفراد بشكل مباشر على الجهود المبذولة من أجل مسيرة التنمية والتقدم في العالم أجمع.
الفقر ظاهرة اجتماعية متعددة الجوانب، فليس الفقر نقصاً في الدخل فحسب، أو حتى ندرة في فرص العمل ولكنه أيضاً تهميش لطبقة من المجتمع، وحرمان للفقراء من المشاركة في صنع القرار وإبعادهم من الوصول للخدمات الاجتماعية.
وربما نجد الفقر مقترناً بإحباط لآمال أجيال بأسرها وبإحلال ثقافة الفقر.
يقول د. إسماعيل سراج الدين في كتاب (الفقر والأزمة الاقتصادية): إن ثمة ارتباطاً وثيقاً بين قضايا الفقر والجوع والأمن الغذائي والبيئة والتنمية الزراعية، فالواضح أن الجوع مرتبط بالفقر المدقع، والأمن الغذائي ليس قضية توافر الغذاء فحسب ولكنه قضية توافر الإمكانيات المادية التي تسمح للفقراء أن يقتنوا الغذاء.
مَنْ هم الفقراء، إذن؟!
بيَّنت الدراسات أن الغالبية العظمى من أفقر الفقراء هم من سكان الريف.
وإن كان عدد الفقراء في المدن في تزايد مطرد، ومن بين سكان الريف فالغالبية منهم من سكان المناطق الصعبة بيئياً للزراعة.
حقيقة الأمر، فإن هجرة السكان، رغم كل ما نسمعه عنها، ما زالت ظاهرة محدودة بالنسبة للفقراء المعدمين وكثيراً ما يكون ذلك لأسباب عرقية، وليس لأسباب اقتصادية.
ولذلك رأى العديد من الخبراء أن الوصول للفقراء في الريف هو من أهم القضايا، لمكافحة الفقر المدقع ولحماية الأمن الغذائي الوطني.
بل من المهم أن نتذكر أن تطوير الريف مؤداه خفض سعر الغذاء مع ارتفاع دخل الفلاحين، وأن خفض سعر الغذاء من أهم الوسائل المناسبة لمساعدة فقراء المدن.
إن قضية الفقر في العالم تتشابك مع قضايا كثيرة معاصرة، وكلها تتعلق بقضايا التنمية والأوضاع المختلفة لها، وخاصة قضايا الإصلاح الاقتصادي، التي تؤدي إلى مزيد من الفقر للفقراء، أو إلى مزيد من التنمية والرخاء.
وقضية الفقر تعتبر قضية محرجة ومؤسفة تنتشر وتتزايد في كثير من الدول في عالمنا اليوم وبطريقة مخيفة ومضطردة.
فالفقر الذي ينتشر في عالمنا اليوم بشكل مخيف لا يقل في حدته عن أخطار أخرى يواجهها العالم مثل أخطار انفجارات الأسلحة النووية.
كما أنه يشكل تحدياً أخلاقياً للإنسانية، إذ بسببه تتزايد مظاهر العنف، والذي يتزايد مع تزايد أعداد الفقراء في العالم، ومع تزايد النمو غير المتساوي بين الدول، وما يتسبب عنه من احتياطات اجتماعية واقتصادية يعاني منها مباشرة الفقراء في معظم الدول الفقيرة.
يقول د. محسن يوسف في كتاب (الفقر والأزمة الاقتصادية): إن قضية الفقر وما لها من تراكم اجتماعي وثقافي واقتصادي وحضاري لا يؤثر فقط على الدول الفقيرة وشعوبها التي تعاني من مستويات مختلفة ومتباينة ولكنها تؤثر وتنتشر في معظم الدول في العالم مما يؤثر على مستقبل الإنسانية بشكل عام وكذا معظم الدول.
لذا، ازدادت حدة مشكلة الفقر إذا لاحظنا أن انتشارها لا يتوقف في ازديادها في الدول الفقيرة ولكنه يتزايد أيضاً في الدول المتقدمة والغنية، حيث نجد حسب الإحصاءات الأمريكية شخصاً واحداً من بين كل سبعة أمريكيين يعيش تحت مستوى خط الفقر، وخاصة بين المواطنين السود، مما أدى إلى ازدياد ظواهر مخيفة ومخزية مثل ظواهر انتشار العنف والجريمة والتشرد والبطالة وزيادة التناسل بين الطبقات الفقيرة، والتي تضغط كلها مباشرة على إمكانيات الدول في توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
يشكل تحقيق توفير الاحتياجات الأساسية للفقراء في البلدان النامية تحدياً كبيراً، وخاصة في البلاد التي لا يزال الجوع ووفاة الرضع منتشرين بها بسبب قلة الموارد أو سوء التغذية وضعف الرعاية الصحية.
منذ فترة طويلة، كان النقاش يدور بين الخبراء المتخصصين حول ما إذا كان الفقر سبباً أو نتيجة للنمو السكاني، وعلى الرغم من وجود علاقة قوية بين الفقر وسرعة تزايد معدلات النمو السكاني، إلا أن الدراسات لم تستطع تقديم دليل على أن النمو السكاني هو سبب للفقر وإنما أكدت على تعقد العلاقة بينهما.
ورغم انتشار الفقر في جميع أنحاء العالم والذي يتزايد يوماً بعد يوم في جميع البلاد بما فيها الدول المتقدمة إلا أن تزايده وانتشاره أصبح أمراً مخيفاً في مناطق معينة من العالم مثل بعض الدول الأفريقية.
بحيث أصبحت مشكلة الفقر تؤثر بشكل ملحوظ على استنزاف المصادر المتنوعة والمتوافرة في هذه البلاد سواء منها المصادر البشرية أو المادية أو البيئية.
ويؤثر ذلك على الدول التي تعاني من قضية الفقر كما يؤثر على الدول الأخرى والتي لا تعاني بنفس الدرجة من هذه القضية المفزعة، مما يجعل من قضية الفقر مشكلة عالمية لا تتوقف آثارها على الدول التي تعاني مباشرة منها، ولكنها تنتشر لتشمل أجزاء أخرى من العالم.
إن انتباه العالم في محاولاته لاحتواء مشكلة الفقر يرجع إلى بداية الخمسينيات من هذا القرن حيث شرعت الكثير من دول العالم في وضع برامج وخطط للتنمية تعتمد على ما توافر للبشرية من إنجازات علمية وتقدم تقني.
ومع تطور الانتباه العالمي لاحتواء مشكلة الفقر بدأت المؤسسات الدولية والدول المانحة برامجها للمساعدات في هذا المجال.
وحدث تحول أكبر خلال الفترة الأخيرة حيث ركز البنك الدولي للإنشاء والتعمير جهوداً أكبر للمساعدة في التقليل من حدة الفقر في العالم من خلال برامج القروض.
وبصفة عامة فإن أي تقدم في تخفيض أعداد الفقراء يتوقف على نجاح الإصلاحات الاقتصادية، بالإضافة إلى تشجيع ازدياد استخدام القدرة على العمل والتي تشكل أكبر مورد متوفر لدى الفئات الفقيرة.
وتشير جميع الدلائل إلى أن المنظمات غير الحكومية يتعاظم دورها بحيث أصبح يمثل أهمية كبيرة في مجالات التنمية ورفع الظلم عن الفقراء.
ختاماً أقول إن التصدي لمشكلة الفقر يحتاج لرؤية مستقبلية واسعة مصحوبة بعمل دؤوب في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
فهل آن أوان ذلك؟!!

(*)المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved