إن ما تنفقه الدولة لنظافة المدن يكفي لبناء هذه المدن وليس فقط لتنظيفها ، ومع ذلك لا تزال النظافة دون المستوى المطلوب ، والسبب في ذلك يعود إلى انخفاض مستوى الأداء والتسيب لدى العاملين في حقل النظافة .. ومن جهة أخرى عدم تعاون المواطنين بالمساهمة في رمي نفاياتهم بالمواقع المخصصة .. فلا يزال المواطن يجهل معنى التعاون ، ولا يزال الفرق شاسعا بين الواقع والمأمول وفي مدننا إذا تفضل المواطن فوضع النفايات في الوعاء الذي خصصته البلدية أمام منزله أو متجره فإن ذلك يعتبر قمة التعاون .. ولكنه عند آخرين يعتبر قد قام بالحد الأدنى من واجبه نحو نظافة مدينته .. في مدننا يستهلك الجزء الأكبر من جهد البلديات في نفايات الأنقاض ومخلفات البناء .. ولكن المدن الواعية لا تسمح بمثل هذا الوضع .. فالتضحية دائما عندنا تتم من جانب الأجهزة الحكومية لمصلحة المواطن .. ومن المفارقات العجيبة أن أكثر الناس تذمراً من الأوساخ هو نفسه يلقي الأوساخ في الشارع ويبعثرها بمنتهى الاستخفاف واللامبالاة ، وكثيراً ما يلح المواطن في طلب حقوقه ولكنه لا يكون بنفس الحماس في أداء واجباته تجاه وطنه .. ومن هنا يأتي الخلل ، فلا ننصف في تصرفاتنا ولا نراجع أنفسنا ، وإذا لم يتم تدارك الاستشعار بالمواطنة والإحساس بالمسؤولية وتقريب المأمول للواقع ، فإن الوضع سيزداد سوءا بزيادة عدد السكان وتوسع المساحة الجغرافية لكل مدينة .. فالمواطن الذي يبني مسكنه بما يقارب المليون ، ويحرص على اختيار أحسن المواصفات ومواد التشطيب الخارجي للأسوار والأبواب والنوافذ من أجل الحصول على واجهة مميزة لمسكنه حتى وإن غلا ثمنه .. لا يعلم بأنه ينتقص من جمال تلك المواد بتركه لمخلفات البناء أمام منزله ويتصور أن الناس سوف تتجه أنظارهم إلى واجهة المبنى وتترك ما حوله .. تصرف لا يمت للوعي بصلة ولا للإحساس بالمسؤولية بأي قرابة ، حينما يترك المواطن ما تبقى من النفايات حتى وإن كانت حمولة عربة صغيرة .. في أي بلد أوروبي من النادر أن ترى عمال النظافة بمكانسهم وعرباتهم ينظفون الشوارع ، وإنما يقتصر دورهم على تفريغ الأوعية الممتلئة ، ونقل الأكياس المغلفة ، وذلك أنه أصلا غير مسموح بإلقاء أية نفايات في الشوارع.
وهناك عقوبات صارمة ، وغرامات كبيرة لمن يتجرأ فيسيء للنظافة .. وفي مدننا كل شيء مباح في نظر المواطن ، ويتهم البلدية بالتقصير إذا لم تسارع في نقل أنقاض ترميم منزله ، أو نقل أثاثه القديم أو ترحيل بقايا أشجار حديقة منزله .. وفي المقابل يستشيط غضباً إذا تأخرت معاملته في أحد أقسام البلدية الساعة والساعتين .. أنه الواقع المؤلم .. وكثيراً ما تعاني البلدية أشد المعاناة من التلف الذي يصيب المنشآت .. والسبب يعود إلى أن الناس لم يعوا ان هذه المرافق لهم وأنها موضوعة لخدمتهم وأن الضرر الذي يصيبها هو ضرر موجه إليهم ، فكل تلف ينالها يؤدي إلى حرمانهم منها ، كما ان إتلاف شيء منها هو خسارة لهم فهم المتضررون لكنهم لا يدركون ذلك حتى الآن .
والعيب في ذلك يعود لضعف الانتماء للوطن ووهن التماسك وغياب الوعي وفقدان الإحساس بالمسؤولية .. ومن أجل النهوض بحضارة الأمة يجب العمل على ايقاظ الإحساس بالمسؤولية من سباته العميق ، وتنشيط الوعي بين الناس .. والعمل على مشاركة المواطن في بناء هذا الوطن وإنجاز ما هو مطلوب منه من مسؤوليات .. وتفريغ طاقات البلدية لتقديم خدماتها إليه والتي يتمكن منها .. ومن أجل أن لا نقول دائما في أوروبا يعملون كذا وكذا لصالح بلدهم .. ونحن بلد خير وعطاء وبناء ولا ينقصنا إلا إحساس الإنسان بالمواطنة والمسؤولية والمشاركة في البناء .. فعلى الأقلام المعبرة والعقول المثقفة والنفوس الغيورة أن تبدأ بالخطوة الأولى من الألف ميل ، بتواصل تثقيف المواطن عبر المشاركات الصحفية المتواصلة لرفع مستوى الوعي لدى المواطن .. ومشاركته الفعالة في الحفاظ على نظافة مدينته وليس فقط في نظافة ما حوله ، بل في توعية المجاورين بأهمية أن يبقى الموقع نظيفاً من الكتابات على الجدران ومخلفات البناء والنفايات الصغيرة التي ترمي في الحدائق والمتنزهات .. فإن استمرار تلك السلوكيات هي وصم للمثقف بالجهل حتى وإن لم يكن المتسبب بها ، وقذف للمتحضر بالتخلف حتى وإن كان السلوك الخاطئ من غيره .. فمن يرضى بالخطأ .. هو المخطئ سواء.
أكرر دعوتي وندائي واستنجادي بتلك الأقلام .. والعقول أن تنتفض من أجل أن ننعم بوطن نفاخر بأنه قمة في الوعي .. وشموخ في الأخلاق .. وغيرة في المواطنة .. فالثروة الحقيقية لكل بلد هي الثروة البشرية .. الإنسان الفاعل .. الإنسان المنتج .. فليس أفقر من اليابان أرضا ولكن ليس أغنى منها شعباً .. والعكس لدى البرازيل أغنى في الأرض ولكن أفقر في الثروة البشرية ، فبناء الإنسان مهم ولكن الأهم توعيته.
(*)وكيل بلدية عنيزة للخدمات
|