* تحقيق - حمد بن عبدالعزيز الوشيقري:
يعتبر الجيل المسلم عماد هذه الأمة الذي يعول عليه في صنع مستقبلها بإذن الله، ولهذا الجيل مرتكزات ومنطلقات هامة جداً تحدد معالمه وترسم خطاه على مدى سنين طوال بدورها تحدد مستقبل الأمة.
وإن الرسالة من منطلق حرصها على تلمس مواطن الخلل والحرص على معالجتها لاحظت وجود تغير للأسوء نحو فقد هذا الجيل لمرتكزاته وثوابته في تفاعل سلبي مع معطيات المجتمع ولذلك سعينا لطرح هذا الجانب ومعالجته في تحقيقنا لتشخيص الظاهرة والتحذير من تشكيل أطفالنا بأيدي غيرنا وفكر غيرنا، وفي سبيل ذلك التقينا بثلة من أهل الاختصاص لمناقشة ذلك فإلى التحقيق.
****
البناء الأخاذ
في البداية حذر الأستاذ أحمد بن عبدالعزيز الفايز المدرس في ثانوية الشاطبي من خطورة التفريط في بناء الشخصية المسلمة لأطفالنا وقال إن لكل كيان بناء فإن أحسن تخطيطه وأتقنت أساسته كان شامخا أخاذا يبهج الناظرين. هذا في الكيانات عموما فما أظن إذا كان المراد بناؤه هو الإنسان فلا شك أن العناية والإعداد ينبغي أن يكون أكثر.
وعند التفريط في هذا البناء يتولد عنه الآتي:
1- غياب المناعة الذاتية من تلقف كل وافد سيئ في زمن أصبح المنع للناشئة أمرا مستحيلا ما لم يقم هذا المنع من داخل النفس وبمبادرة ذاتية.
2. التقلب والتلون حسب الأمواج المتلاطمة حينا باسم التحضر وحينا آخر باسم الموضة ونحوها.
3. هشاشة في الجيل يتولد عنها ضعف في المجتمع لأنهم رواده في المستقبل.
وأضاف: ونحن نقرأ حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) نجده نبراسا لأهمية البناء والتربية فإن بذرنا في نفوس الناشئة خيرا فإن الله لا يضيع أجر العاملين وقد قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.. (فلنبشر بسنابل الخير قائمة على سوقها تعجب الزراع).
المنكرات والفكر
بعد ذلك اتجهنا لفضيلة المحاضر بكلية الشريعة بالرياض الشيخ زيد بن عبدالله القرون ليوضح لنا أثر الفكر الوافد وإسهامه في ارتكاب المنكرات حيث قال: إن للفكر الوافد إسهاماً واضحاً في ارتكاب المنكرات لدى الصغار والأطفال، ولعلي أبرز ذلك من خلال جانبين مهمين - نظرا لضيق المساحة المسموح بها - هما الجانب العقدي، والجانب الأخلاقي والاجتماعي، وذلك على النحو التالي:
الجانب العقدي: ويتجلى ذلك من خلال ما يلي:
أولا: إضعاف عقيدة الولاء والبراء لدى الأطفال، وإبراز بلاد غير المسلمين على أنها مثل للحرية والعدالة، وذلك ولا ريب يجر إلى منكر عظيم وهو حب هؤلاء الكفار ومن ثم مشابهتم وتقليدهم في لباسهم وكلامهم، وما انصراف العديد من البنات إلى الأزياء العالمية، والموضات الأجنبية إلا مثالا واحد على ذلك.
ثانيا: زعزعة العديد من المسلمات الشرعية والعقائد الإسلامية لدى الأطفال من خلال بعض البرامج الموجهة لهم، وأخص منها أفلام الكرتون التي قد تظهر على سبيل المثال صورا للملائكة المقربين، أو التصرف في الكون من قبل أشخاص أعطوا قوة خارقة فينزلون المطر، ويجرون السحاب، ويحيون الموتى، وغيرها من القضايا التي لا تليق إلا بالله العظيم جل جلاله، وتقدس سلطانه، وهذا ولا شك يؤدي إلى منكر عظيم قد يصل إلى الكفر بالله، وهو التعدي على الذات الإلهية بأي صورة من صور التعدي.
الجانب الأخلاقي والاجتماعي:
ويتجلى من خلال ما يلي:
أولا: تنشئة الصغار على قضايا مخالفة للشريعة وجعلها من الأمور المسلمة من خلال إقناعه بأن العلاقات العاطفية بين الولد والبنت تبدأ بالحب، ولذلك لا مانع من الطرق المؤدية إلى تكوين هذه العلاقات، كالمغازلة، ومحاولة التعرف على الجانب الآخر بأي وسيلة، وإباحة الاختلاط بل والخلوة مع الأجنبية، وأن كل ذلك مما لا مانع منه ما دام التراضي قد وجد من الطرفين.
ثانيا: أنها سبب في تفجير الغرائز الكامنة لدى الصغار والشباب، من خلال ما يعرض في القنوات والمجلات من صور فاضحة، أو قصص غرامية قد تختم بلقاء محرم، فيدعوه ذلك إلى البحث عن أي وسيلة يصرف فيها غريزته، فيقع في أمور جاءت الشريعة بتحريمها.
ثالثا: التفنن في عرض الأغاني الماجنة، والموسيقى الصاخبة، عبر وسائل مختلفة ولعل من أبرزها مؤخرا ما يسمى ب (الفيديو كليب) والذي يختلط فيه الرجال بالنساء في صور رمزية، وتصرفات مثيرة، ومن ثم إبراز المغنين والمغنيات في صورة النجوم والأفذاذ، وهذا ولا شك مما يعزز الإعجاب بهم في نفوس الصغار، والرغبة الجادة في متابعة كل جديد مما حرمه الله ورسوله، حتى غدا سماع الموسيقى عند بعض الناس من الأمور كما يسمونها (العادية) والتي لا تستحق أن ينكر على فاعلها، بل إنني سمعت شابا لم يبلغ الخامسة عشر من عمره يقول: إن أمنيتي في الحياة أن تجمعني صورة مع الفنان الفلاني. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رابعا: الدعاية إلى شرب الخمور والمسكرات، وتعاطي المخدرات، وأنها المتنفس الوحيد عند تكالب الهموم وكثرة المنغصات، وإظهار النشوة التي يحسها المتعاطي بأبهى صورة، مما يغرر بالعديد من الصغار فيوقعه في المحرم ولو من باب التجريب فحسب.
خامسا: تصوير المرأة الكافرة المتبرجة والتي تفعل ما يحلو لها، ولو على حساب بيتها وزوجها وولدها، بأنها المرأة المتحررة، المستوفية لحقوقها، المؤثرة في مجتمعها، مما قد يكون سببا في تشكيك بعض بناتنا في واقعهن ومن ثم استجابتهن لكل ناعق تأثر بالغرب وحضاراته.
سادسا: إظهار صورة القاتل المتخفي، أو المحتال الغادر والمزور، أو السارق المتمرس للبيوت والسيارات، بصورة البطل الذي أعيى الشرطة وأتعب المحققين، والذي استطاع أن يخفي كل معالم الجريمة، وذلك ولا شك يدفع الصغار والشباب إلى المحاكاة والتقليد، ولا سيما إذا عرفنا أن عرض ذلك في الأفلام ونحوها يكون بصورة دقيقة ومحكمة وتظهر للمشاهد بأيسر وأسهل صورة، ولا أظن ما يعانيه المجتمع من سرقة السيارات والتفحيط بها إلا مثالا على ما سبق.
الشخصية المستقيمة
ويظهر أمامنا سؤال ملح وهو ما الكيفية التي يمكن أن ننتهجها في بناء الشخصية المسلمة المستقيمة وحول ذلك تحدث لنا فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله الدويش المشرف على موقع المربي وقال: فحين نتحدث عن بناء الشخصية المسلمة المستقيمة فحديثنا ليس مفتوحا أو مطلقا، إنما هو في إطار الفكر الوافد والتعامل معه، وبناء عليه فأرى أنه ينبغي أن يراعى في بناء الشخصية ما يلي:
1- إكساب الفرد القدرة على التعامل الصحيح مع مصادر المعلومات، من حيث الوصول إليها، وتمييز المصادر الصحيحة من المصادر غير صحيحة.
2- إكساب الفرد أدوات تشكيل المواقف والوصول إلى رأي ناضج حول القضايا المعاصرة التي تمثل مدخلا للفكر الوافد.
3- تنمية قدرة الفرد على تقويم الأفكار وفحصها ونقدها، ذلك أننا مهما سعينا لحماية الفرد من التعرض لها فلن نستطيع ذلك ومن هنا فلا من تعويده على النقد والتقويم وإكسابه الأدوات التي تعينه على ذلك.
4- تنمية الاعتزاز بالدين، والشعور بشموليته لقضايا الحياة، والثقة به، فإن هذا الجانب النفسي الداخلي له أثره في كيفية التعامل مع ما يفد إليه مما يتعارض مع الدين.
5- تنمية الانفتاح الموزون لديه، الانفتاح الذي يجعله يتقبل الجديد ولا يملك حساسية تجاهه - ما لم يتعارض مع الشريعة الإسلامية -، ذلك أن هناك من يبالغ في رفض كل ما هو جديد كردة فعل سلبية.
6- تقوية الجانب العلمي الشرعي لدى الفرد، ويقصد بذلك القضايا الكلية العامة والقواعد الشرعية، وتبسيطها لديه فإنها مما يعينه على اكتشاف خطأ الوافد.
تعامل المحتسب
وإننا وقد بلغنا هنا في هذه المرحلة من هذا التحقيق نرى أهمية بث مجموعة من المقترحات للإخوة المحتسبين تساعد في معرفة الأسلوب المناسب في الاحتساب على أمثال هذه الشخصية فلقد طرقنا باب فضيلة رئيس هيئة علي بن أبي طالب المكلف الشيخ حسن بن سالم الخنبشي الذي قال: إن من الثوابت أن لهذه الشريعة العصمة وبالتالي فإن من سماتها الاستمرارية وصلاحيتها لكل زمان ومكان، ومن مفردات هذه الشريعة العظيمة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعليه فلا يمكن أن يقال إن هذه العبادة لم تعد تتوافق ومستجدات الأزمنة إذ في كل زمان يأتي من المستجدات والعوارض الشيء الكثير ولا يزال دين الله ظاهرا وما الأفكار التي يحملها بعض شبابنا هداهم الله للصواب مما تأثروا به بسبب تداخل الأمم وتقاربها واختلاط الحضارات كما يقال إلا من مستجدات هذا الزمان.
ولذا، فإن على المحتسب مراعاة هذه الحال عند القيام بشعيرة الأمر والنهي بأن يتسع صدره للاستماع لمن ابتلي بمثل تلك الأفكار وعليه البيان الشافي لها وإزالة العوالق والشبهات التي قد علقت بفكر هؤلاء الشباب أصلحهم الله وردهم للصواب.. آمين.
فالشباب الذين تأثروا بالفكر الوافد هم فئتان:
الأولى: تأثروا بالفكر الوافد لأنه وافق هوى في نفوسهم وأشبع رغباتهم.
الثانية: الذين تأثروا بالفكر الوافد لأنه أثار شبها في نفوسهم لم يستطيعوا ردها.
ولا بد أن يدرك المحتسب أن هناك سلاحاً لن يتحقق له التأثير والمعالجة إلا به بعد توفيق الله جل وعلا وهو العلم والحلم، فينبغي للمحتسب أن يكون ذا صدر واسع ويتقبل من المخالف كل ما يحمله من أفكار وشبهات، ثم يبدأ معه الحوار ويرد على الشبهات التي في ذهن الشاب شبهة شبهة وإن كان مثل ذلك سيطول به المقام لكن العاقبة حميدة بإذن الله.
ولعلي بهذه المناسبة أهمس في أذن الدعاة والعلماء - حفظهم الله - فأقول: إن الناظر في الساحة يجد الكم الهائل من الأشرطة والكتيبات - نفع الله بها - وأكثرها إن لم يكن جميعها يعالج الفئة الأولى من الشباب (المتأثرين لأن الشبهة وافقت أهوائهم) لكن الفئة الثانية (المتأثرين بسبب الشبهات) لا تجد ما يعالج الشبهات التي في نفوسهم ويردها.
*إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
|