Friday 10th December,200411761العددالجمعة 28 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "أفاق اسلامية"

نبض المداد نبض المداد
حقوق أهل الذمة
أحمد بن محمد الجردان

إن الأحداث التي وقعت يوم الاثنين الماضي في القنصلية الأمريكية بجدة هي في الواقع أحداث مؤسفة، وفيها تشويه للإسلام ولشعيرة الجهاد في سبيل الله، وفيها تشويه أيضاً للدعوة والدعاة، وفيها عقوق للوطن بأسره، وفيها اعتداء على أمن الآمنين كافة بغض النظر عن دينهم وانتماءاتهم، كما أن فيها بث الذعر بين الناس، وفيها مساس بحرمة هذه البلاد وقداستها، وهذه الأحداث المؤسفة بحق ما كان لها أن تحدث لو أن من قاموا بها قد تربوا على المنهج الصحيح والطريق القويم، فهم بكل أسف لا يفقهون عظم النفس المعصومة والتي لا يختلف اثنان على حرمتها، ومن المعلوم أن شريعة الإسلام قد جاءت بحفظ الضروريات الخمس، وهي الدين والنفس والمال والعرض والعقل، وهذا من عظمة هذا الدين الذي أكمله لنا ورضيه جل وعلا لنا، حيث قال جل من قائل سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}، والإسلام كفل حقوق أتباعه فالنفس المسلمة معصومة فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم). كما أن ابن عمر رضي الله عنهما نظر يوماً إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: (ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك)، ولم يكتف الإسلام بكفالته لحقوق أتباعه بل كفل أيضاً بعدله وإنصافه ووسطيته حقوق أتباع الديانات الأخرى، وبالذات الذميون والمعاهدون منهم، فلم يضيعهم ويضيع حقوقهم بل قد كفل لهؤلاء حقوقاً عظيمة، فعصم دماءهم، وحفظ أموالهم، وصان أعراضهم، بل لم يكرههم البتة على ترك دياناتهم فيجبرهم على اعتناقه، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً) وهذا بلا ريب وعيد شديد فمن دخل بعقد أمان وبعهد من ولي الأمر لمصلحة رآها فلا يجوز التعرض له ولا الاعتداء لا على نفسه ولا ماله ولا على عرضه بل حرم الإسلام ظلمه أو تكليفه ما هو فوق طاقته أو أخذ شيء منه عنوة دون رضاه كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئاً بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة) رواه البيهقي، ومن عدل هذا الدين أيضاً وإعطائه المعاهدين حقوقهم تلك القصة المشهورة التي رواها أنس بن مالك رضي الله عنه وهي أن رجلاً من غير المسلمين من أهل مصر جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه ما فعله ابن والي مصر عمرو بن العاصي - رضي الله عنه - فطلب عمر منه أن يبقى في المدينة واستدعى عمرو بن العاص ومعه ابنه فلما وصل استوضح منه الأمر ليتثبت من صحة الادعاء، وبعد أن ثبت لديه ذلك أمر عمر الرجل المصري أن يقتص بنفسه من ابن عمرو بن العاص، وقال له عبارته المشهورة: (دونك الدرة اضرب بها ابن الأكرمين) وسبب قوله ذلك لأن ابن عمرو بن العاص عندما يضرب المصري كان يقول له: (خذها وأنا ابن الأكرمين) فاقتص المصري بنفسه من ابن عمرو بن العاص حتى قال له عمر اجعلها أي الدرة في رأس عمرو بن العاص فوالله ما ضربك إلا بفضل سلطانه فقال المصري: يا أمير المؤمنين لقد استوفيت واستشفيت وضربت من ضربني، فودعه عمر وقال له عد راشداً فإذا رابك شيء فعد إلي)، الله أكبر!!!!، دين بهذه العظمة وبهذه الدقة وهذا العدل المتناهي في إعطاء أهل الذمة كامل حقوقهم بل واقتصاصهم بأنفسهم ممن ظلمهم لا من عامة الناس بل من كبار القوم، أترونه يبيح ترويع أهل الذمة والمعاهدين ناهيك أن يبيح قتلهم؟؟!!، حاشاه - والله - ثم حاشاه فهو دين عظيم لو استطعنا أن ننقله إلى العالمين كما هو لكنا دعاة له بحق!!!!!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved