من المعلوم لدى العقلاء ضرورة حفظ الجوارح، والأدلة في هذا أكثر من أن تحصى، كقوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (21) { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ} (22) {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ...} سورة فصلت.
فالكل منا مسؤول مسؤولية كاملة عما يتكلم به، ويتفوه به، عما يقوله أو يمليه أو يكتبه أو يأمر أحداً بكتابته، مسؤول عن أي معلومة يدخلها في الإنترنت، أو يتكلم بها عبر إذاعة أو في مجلس أو استراحات أو منتديات أو ملتقيات، أو يكتب كتاباً أو ينشر ورقة أو يصورها أو يأمر بتصويرها أو يوزعها في المساجد أو البيوتات أو الأسواق أو يعطي مالاً لذلك، كل ذلك داخل تحت المسؤولية، وكلنا يعلم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن الخمر: (لعن الله الخمر، شاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها) وقال في الربا: (لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، هم فيه سواء) فالكل مشترك في مسؤولية إثارة الأقوال المقلوبة المغلوطة، أو المبالغة فيها، أو نشر الأخبار التي تقلق المسلمين أو تزعجهم أو تؤذيهم، وليست المسؤولية محصورة في ذلك الذي يتكلم في الإذاعات، أو يظهر عبر الشاشات، أو ذلك الذي يطبع كتاباً، أو ذلك الذي ينشر مقالاً، وإنما ذلك الذي يصور المقال، أو يبث الشريط، أو يدعو إلى نشر إشاعات، هو داخل تبعاً في مسؤولية إذاعة ونشر الإشاعات، ولك أن تتأمل أخي المسلم! هذا الحديث العظيم المختصر الذي مبناه قليل، ولكن معناه كبير وكبير، وهو قول نبينا عليه الصلاة والسلام: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)، ومن هنا نعرف أن المسؤول عن منشأ الإشاعات هو السائل أو الناقل، فإن السائل عن الخبر مروج له، والناقل بطريق اللزوم، كم من الأخبار التي تسمعها لا أقول في بلدتك أو منطقتك أو بلدك وإنما في العالم كله، أنت تسمعها وتنشرها بالسؤال عنها أو بنقلها، وقد يقول البعض: أحب أن أتأكد من الخبر فأقول إن مجرد السؤال هو ترويج للإشاعة، إذاً من المسؤول عن الفضول والتدخلات، وكم من الفضول فيما نقول وفيما نفعل لو أن كل فرد منها، انحصرت أموره وقضاياه فيما يعنيه، لخرجنا بنتيجة مرضية ونتيجة مسعدة، والحمد لله على كل حال.
( * ) المجمعة |