* الحريق - رشيد الغريب:
يستقطب الجراد اهتماماً محلياً وإقليمياً ودولياً كبيراً، فهو من المهددات للمحاصيل الزراعية، وبالتالي فإن خطره يمتد الى الإنسان بما يشكله من حرمان للبشر من الإنتاج الزراعي الذي لا يمكن ان تستغني عنه الحياة.
والتجربة المحلية مع الجراد هي تجربة ذات خصوصية ولها جذور عريقة وعميقة، فالمجتمعات الإنسانية في الجزيرة العربية عرفت الجراد منذ نشأته وتعاملت معه بشكل يتناغم مع البيئة ودورة الحياة فيها، فكما كان الجراد يهاجم الأراضي المزروعة ليأخذ حاجته الغذائية منها، كان هذا الجراد مصدراً من مصادر غذاء الإنسان في أزمنة اتسمت بالصعوبة وشظف العيش.
ومن خلال الأسطر التالية نتجول في حقل أحد أعيان أهالي محافظة الحريق الشيخ الراوي والمؤرخ زيد بن عبدالله الهزاني، والذي يحدثنا عن بعض تجاربه التي عاشها مع الجراد وأسرابه وهجماته في سنوات مضت، كما يحدثنا عن بعض حصيلته المعرفية حول الجراد التي اكتسبها من خلال التجربة والملاحظة والتمحيص والاستيعاب.
*****
* سألناه في البدء عن الجراد في الماضي وعما تحويه ذاكرته عنه فقال:
- الحقيقة أننا لم نشاهد أسراب الجراد الا منذ عقود طويلة، فقد هاجمت أفواج منه وكأنها السيل وضربت البلاد منذ حوالي ستين عاماً فقضت على الأخضر واليابس، ولم يبقَ من النخيل في ذلك العام إلا (رموحها) وتعرضت أبواب الخشب للقرض، وتحول الغطاء النباتي من الحشائش الى ارض جرداء، ولم يتبقَ في الحريق والمنيجر ونعام إلا نخلة (ابن مسعد) في مزرعة وبيرة وهي من نوع مكفزية والمزرعة لمحمد وعبدالله المسعد.
* باعتباركم من العارفين بالجراد وأنواعه.. حدثنا عما تعرفه بشأن هذا الموضوع؟
- الجراد تهامي ذو لون احمر، وهو يتطور في عمر أسبوعين الى (كسب) ليصير (مكن)، وذكر الجراد (زعيري) لونه اصفر، والجراد يمثل (يبيض) في الأرض وطريقة التبييض تكون ببحث الأنثى الحبلى عن أرض رملية هشة، بعد ذلك تقوم بتركيز ذيلها على الأرض ثم تبدأ بوضع البيض داخل حفرة بعمق ذيلها.
والبيض مثل حبة الأرز ويتوفر له (سلب) قوي يحميه- بأمر الله- من الأرض فلا يتعرض للتآكل، ويقال إن الحبة الواحدة تحوي مائة حبة، قال الشاعر:
أبنشدك من عذراء لا جاها المخاض
تحط في بطن الذلول عيالها
وإذا لم يصب البيض بالندى فإنه يبقى سنة كاملة فإذا جاء المطر ظهر (الدباء).
يأكلنا ونأكله!
* نعرف أن المعتقد السائد يقول بأن الجراد يحوي الداء والشفاء للأمراض المستعصية.. ماذا تقول في ذلك؟
- يقول المثل: (جاء الفقع ثم قال جاء الدواء، قال: وجاء الجراد قال انثر الدواء) وهذا المثل دليل على القناعة المترسخة وقتذاك بأن الجراد داء وشفاء، فكما هو معروف فإن الجراد لا يتناول في غذائه سوى النباتات البرية والمحاصيل الزراعية، وهذا ما يجعل جسمه حاملاً لخلاصة قوية من الأدوية كان من الصعب الحصول عليها في الأزمنة السابقة.
* كيف كنتم تصطادونه؟
- ما يعلمه العارفون انه إذا غربت الشمس فإن الجراد يبيت ثم يعيش في الأرض التي هو فيها، وهذا هو الوقت المناسب لكي نقبض على الكثير منه، ونأكل من لحمه اللذيذ حتى نشبع، بل ونهيئ الكثير منه لتخزينه دون أن ينقص منه شيء، فقد كانت أعداده كبيرة ولا تتأثر بما نلتهمه منها.
أما إذا أصبح الصبح وطلعت الشمس فإن الجراد يقوم مواصلاً مسيرته فيأكل المحاصيل وكل ما يقابله من زرع، ولعل هذا ما جعلنا نقول إن الجراد يأكلنا في النهار ونأكله في الليل!
* وماذا عن الدباء؟
- هو خطير وأقوى في بنيته وشراسته من الجراد، يملأ الأرض ويندفع مثل السيل من خلال الشوارع والأودية لا يوقفه سهل او وعر يستمر حوالي الشهرين في مسيرته حيث يأكل كل ما يجده في طريقه من نبات، بعد ذلك يتحول هذا الدباء الى (خيفان) ثم يأتي الخيفان مرض ينخر رقبتها (سرو او سروني) حتى تموت، فيصبح الخيفان (قشير تخرفش).
* كم مرة في السنة كان يأتيكم الجراد.. وماذا كان يعني لكم؟
- كان يأتينا مرتين الى ثلاث مرات كل عام، وكنا نستفيد منه استفادة كبيرة بما يشكله من مادة غذائية ممتازة، فكما تعلم فإن المعيشة كانت صعبة، لذلك كنا نسارع بجمع الجراد وتمليحه بكميات كبيرة، وبالمناسبة فإن أسعار الملح كانت ترتفع وقت ظهور الجراد، ولم نكن نستطيع الحصول على حاجتنا من هذا الملح الا بشق الأنفس.
* وفي أي شيء كنتم تعبئون الجراد الذي تصطادونه؟
- في ثيابنا بعد ربط الرقبة والأيدي، كما كنا نعبئ ما يتوفر لدينا من أكياس وهي قليلة جداً، كذلك كنا نقوم بتعبئته في (الزبلان) التي تصنع من سعف النخيل.
تجربة صعبة
* لكن الجراد يمثل أيضاً كابوساً خطيراً لأهل الزراعة وقد يؤثر في سلامة ماء الشرب.. ماذا في ذاكرتك عن التجارب الصعبة للجراد في الماضي؟
- أذكر انه منذ ستين عاماً مرت علينا سنة أطلق عليها سنة (الدباء)، حيث هاجمت أسرابه الحريق والمفيجر ونعام وحوطة بني تميم والخرج، وقد قامت هذه الأسراب بتخريب مساحات واسعة جداً من نعام حيث بدت وكأن معركة شرسة قد دارت في أرضها.
وقد سارع أهل نعام بتغطية (مسقاتين) للشرب قبل وصول الغارة (الجرادية)!!
والمسقاة هي البئر المحفورة في وسط البيت، فقد كان الآباء والأجداد يحرصون على حفر مسقاة لكل بيت أو بيتين لأجل الشرب، وبعد انتهاء هجمة الجراد اندثرت جميع الآبار عدا المسقاتين اللتين تمت تغطيتهما، فقد تساقط الجراد في تلك الآبار، وكانت الأعداد مهولة حيث تلوثت المياه بفعل تحلل الجراد الميت، وأصبحت الروائح الكريهة تفوح من تلك الآبار التي لم تعد صالحة للسقيا والشرب والاستعمال.
* لكن تجربتكم مع الجراد لا بد أنها قد علمتكم بعض الوسائل لمكافحته خصوصاً اذا كانت هجماته من خلال أسراب ضخمة تسبب الخطر؟.
- نعم.. كنا نشعل النار في الأخشاب حيث يساعد الدخان على دحر الجراد، كما كنا نحفر الخنادق ونقرع الطبول والتنك وهي وسائل تجعل الجراد يطير متنقلاً من موقع الى آخر بالمزرعة دون فائدة كبيرة تذكر، وفي رأيي أن الخنادق كانت أفضل الوسائل لمكافحته لوقوع أسراب الجراد داخلها وإشعال النار عليها.
* وماذا عن آخر سرب من الجراد هاجم محافظة الحريق؟
- كان ذلك منذ اكثر من عشرين عاماً، لكن الجراد لم يأتِ الى الحريق تحديداً ولكنه هاجم البر وبالخصوص هاجم صماخ والساخن، وقد أفادت التقارير أنه لم يكن بكميات كبيرة، وكنت وقتها أحد أفراد فرع الزراعة والمياه بمحافظة الحريق، وكان مدير الزراعة في الحريق الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ الذي رأس الغرفة التي تم تشكيلها لمواجهة الجراد، وبالفعل كافحنا الأسراب المغيرة وقضينا عليها باستعمال مادة (الشوال) ومنذ ذلك الوقت لم تعاود أسراب الجراد كرَّتها.
إنه الجخاخ!!
* لكننا- أبا عبدالله- سمعنا أخباراً تؤكد بأن الجراد أتى قريباً جداً؟
- الذي أتى قريباً هو الجخاخ، وهناك فروقات كبيرة بينه وبين الجراد رغم التشابه في الشكل، والجخاخ قصير النفس فهو لا يطير - مثل الجراد- بآلاف الكيلو مترات، كما انه يتكاثر فقط عند المصابيح الكهربائية في الشوارع والمنازل ويأتي ليلاً ليبقى أسبوعاً الى عشرة أيام، ثم يذهب بعد ذلك بمشيئة الله، وليس منه أي خطر يذكر، وكذلك الجراد عموماً ليس منه أي خطر على الإنسان إذا لم يكن مرشوشاً بالمبيدات، وإنما خطره على المحاصيل.
* هل من نصيحة أخيرة؟
نصيحتي هي نفس نصيحة وزارة الزراعة بعدم أكل الجراد لأنه مرشوش بالمبيدات الحشرية المضرة للإنسان بل والقاتلة له، كما أنصح بعدم شراء الجراد من الأسواق (الجراد المجفف)، والحمد لله أسواقنا مليئة بالأغذية المتنوعة الرخيصة السعر، ولسنا في حاجة إلى الجراد وما يحمله حالياً من مخاطر كبيرة على الروح والصحة.
وعموماً فإن هناك لجنة شكلتها إمارة منطقة الرياض بأمر من الأمير سلمان لمراقبة الأسواق ومعاقبة بائعي الجراد.
في سطور
* كيس الجراد وصل الى 1000 ريال منذ سنوات قليلة ماضية!
* هناك اعتقاد بفائدة الجراد في علاج بعض الأمراض المستعصية كالسكري.
* كان الجراد يؤكل مع المرقوق وهي الأكلة المفضلة سابقاً.
* إعداد الجراد يتم عن طريق سلقه في قدور حيث يستخلص منه الصالح ويستبعد الطالح.
* أنواع الجراد المعروفة: المكن، الزعيري، الخشابي، الخيفان.
- جرادة أو أسراب جراد
- الهزاني
- بساتين أو أراضٍ مزروعة مع تعليق يقول:
(الزراعة.. الهدف الأساسي للجراد).
|