Friday 10th December,200411761العددالجمعة 28 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

قصة قصيرة قصة قصيرة
بين السنابل
لينا حماد صباح

إنها آخر أيام الصيف الحارة..
بدأ الجو دافئاً تارة.. وتارة أخرى تنساب إلى أعماق دفئه نسمات باردة..
فتحت نافذة الكوخ الذي أسكن طابقه الوحيد قابعاً بين حقول السنابل..
أرغمني الجو على الخروج قليلا..
وضعت ذلك الشال الصغير على كتفي ثم فتحت الباب الخشبي ليصدر أزيزاً خفيفاً إيذاناً بقبوله أن أخرج وأمر فوق عتبته القديمة..
اقتربت من السور الخشبي واتكأت بيدي فوقه وأغمضت عيني لبرهة ثم أخذت نفساً ملأ كلتا رئتي..
عندها أحببت حقاً أن أتمشى في مثل هذا الجو الحالم..
ما إن قررت حتى التقطت قبعتي التي صنعتها من القش كانت ملقاة على طرف كرسي هزاز أحب دوما الجلوس عليه.. وقتها أبدأ أنسج أحلامي من نجوم كل ليلة..
مشيت بهدوء أقصد حقلاً كان قريباً أقضي فيه بعض الوقت ثم أعود..
وقفت على بوابة الحقل وسرعان ما دخلت فرحة ألوح بقبعتي في الهواء راقصة بين السنابل..
أغني لإحداها تارة ثم أهمس تارة في أذن أخرى..
جلست ألتقط أنفاسي وكان آخر ما كنت أذكره تلك السماء الزرقاء التي تناثرت بها بعض السحب القطنية البيضاء..
مرت تلك اللحظات سريعة فقلبت صفحة أخرى..
فإذا بي أدخل من بوابة وهمية إلى عالم لا يكسوه سوى بياض لؤلؤي تراه في كل مكان وعلى مختلف التضاريس..
ما أجمل كتل الثلج حين تقترب منها وتحمل أكوامها بكل لطف ثم ترمي بها للسماء الباردة لتغوص في أعماقها ثم تعود هاوية على الأرض لتوقظ فصلا ربيعياً جديداً..
تستيقظ الأزهار العطرة من أسرة نومها لترسم لون الأطياف برومانسية خضراء ناعمة..
هل تسمع أصوات الطيور.. إنها في كل مكان..
امتزج صوتها مع صوت شلال عال كان أيضا صوته قريباً..
وتلك الحيوانات الصغيرة استغلت جمال الطبيعة ودفئها لتسبح في مياه الأنهار الصافية فتداعب قطرات الماء بعدها بدأت أجواء العالم الصغير تتغير.. بدأ يأخذ طابعا جديدا..
ألوانه اقتصرت على لونين أو ثلاثة.. جفت معظم الأشجار وذبلت تلك النباتات الصغيرة وتوقفت الورود العازفة عن غنائها..
ساد الصمت والسكون قليلا لم يبق سوى القليل من الحيوانات التي تركض من فترة لأخرى متململة..
سكنت روحي قليلا تماشيا مع الأجواء الخريفية الهادئة..
رأيت من بعيد شجرة شامخة تقبع وحدها على سفح جبل عال..
فمشيت بخطى سريعة نحوها، حيث كان منظرها يبعث شعورا بالأمان والجمال الصامت فأحببت أن أكون برفقتها بعض الوقت..
وصلتها.. ثم جلست تحت ظلها واتكأت بلطف على أطراف جذعها حتى لا أوقظها..
عندها.. أمدتني بنفحات من النعاس خيمت على جفوني سرعان ما غرقت في سبات عميق بين أحضانها..
مرت لحظات ليست بطويلة.. سقطت خلالها ورقة صفراء يغلب عليها اللون البني وما عن استقرت فوق وجهي حتى أيقظتني بفزع..
وقتها علمت أنها لم تكن ورقة الخريف هي التي أيقظتني ولكن كانت قشة سنبلة أسقطها عصفور طائر وهو عائد إلى عشه..
فاعتدلت جالسة بابتسامة خفيفة وأنا أعود للواقع تدريجياً.. علمت أنني لابد وأن أعود غداً بحلم جديد أحلق به بين السنابل.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved