ما أقسى الحب عندما يكون أطرافه ناقصة عن شروط اكتماله، وأن يكون الوصال من طرف هام حباً دون تبادل أو لفتة لهيامه، ما أقسى الحب عندما يكون أنانياً، وما أفظعه عندما يكون الفشل والاخفاق مآله، حرمان وشوق ووله من السنين، أملاً في كلمة تطفئ لهيب شوقه، وتخفت الحرارة التي سعرت في دواخله، ولكن مرارة الأيام أبت أن لا تخفف لظاها المشتعل في قلب العاشق، فطفق يهيم على وجهه، يسير في الطرقات، يجوب الأماكن والشوارع، ينطق باسمها ويتردد صداه في قلبه، فيشعر بنشوة ولذة تسيطران عليه حتى النخاع، وما كنت أيها الحب إلا معتقلاً للعاشقين والمجانين والذين أصابهم وجد الأحباء، ورماهم الخبل عن اللقاء، والمؤانسة بحديث المحب، والسرور بالمكوث معه.
وعجباً لويلاته التي تناقل آلامه من قبلنا، فدبجت في سبيله أرق الكلمات ونظمت لديمومته أجمل الأبيات، ومحصوا بصبر عظيم، حتى فارقت الروح أجسادهم وقد هاموا على وجوههم يرجون كلمة، يأملون في همسه، ولا مجيب، وأشهد أنني ممن ولجت هذا الباب، ورجوت أن لا يكون مآلي كمآل الغير من الجنون والخبل، بل أذعنت لأن أعيش في ظلال ذلك الحب بشغف وطول مكوث وبقاء، ولست ممن أجدت الصياغة وفنون البلاغة فأذعن الكلمات للحبيب، ولكن قلباً كقلبي تملكه ذلك المحبوب ليضحي في سبيله باخلاص ومودة، فأتناوله وبكل عناية فأضمه إلى صدري وأجعله في كنفي ونصب عيني، فلا يفارقني ولا يغيب عني، وإليك أزف تلك العبارات عل من لفتة حانية تشفي بها قلبي العليل، والذي تعلقت أهدابه بطيفك، وبات سمره وسروره في لحظة خيال يسطرها السكون وفي خلد يدور حول عشق المحبوب.
وخيل لي أن فارساً على صهوة جواد طفق يجوب الأراضي والقفار، يبحث عن قدر الحب معه، وبعد التعب وعناء السفر، لقاها وقد علاها نسمات الإيمان ورعتها ملائكة الرحمن، وتزينت بأوامر الواحد الديان، فلا غرو في محبتها وعشقها وبعث الوصال إليها، فعلت فارسنا نشوة الحب، وصهل فرسه اذعاناً له، وانطلق يأمل في اللقاء، وعز عليه ذلك، فخر مشدوهاً، وعاد إلى رحلته الشاقة وقد تعلق قلبه، وما مناص من صبر لعله يخفت حرارة متوقدة في القلب.وما وجدت يا عزيزتي سوى ورقات أرسلها برهاناً لحب صادق، طالب لمآل باسق، يرجوه كل محب عانق الحب باخلاص وصار أسيره، وما أكثر من وقعوا في معتقل الحب، فمنهم من نجا ومنهم من لم يتحمل أهواله فطاش وماش، ومنهم من أعياه التعب عن مسيرة الحياة فسكن قلبه ورقد محله، وما هو إلا رجاء أن يكون حالي خيراً من حالهم، وقد لاقوا من الآلام وتكبدوها ما لم يطيقوا معها صبراً، فما كان إلا سكوناً خيراً لهم، وأشفق لحالهم وأرق لأمرهم، ومصير العشاق مجهول، والأيام كفيلة بكشفه.
* واحة الأحساء |