Thursday 9th December,200411760العددالخميس 27 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

باختصار باختصار
كابوس الحادية عشرة
نورة المسلم

لم نكمل استقبالنا لصباح الاثنين في مدينة جدة ونمارس هواتفنا اليومية المعتادة مع أهلنا إلا واقتحمتنا هواتف أخرى توحي بأن هناك اقتحاماً إرهابياً للقنصلية الأمريكية.
هناك تسكن والدتي وبعدها بقليل مدرسة أبناء أخي، وبناته أيضاً، وليس ببعيد منها أبداً أصغر أخواتي، كيف يبدو لي هذا المدى الدافئ وأقرب الناس لي في الحياة بعد أبي -رحمه الله- مطوقون، من استطاع الخروج من بيته أو مدرسته لم يستطع الحراك حيث كانت الطرق مغلقة ومحاصرة والأنباء تتقاطر من هنا أو هناك، وقبل هذا كله كان جزء من أحضان الوطن يدنس وينتهك لكون ما يحدث هو على أرضه ومن قبل الارهاب الذي بات يصبحنا ويمسينا. ألغيت وقتها أجزاء كثيرة من قنوات التحكم في عقلي، أهاتف أمي في طريقها إلينا أم أهاتف أختي الصغيرة وأسمع بكاءها حين كانت تسمع أصوات طلق النار، أم أهدئ زوجة أخي التي تتوسل لي باكية أن أذهب إلى مدرسة بناتها وهي في العمل وهل نسيت صغاري في حضانتهم؟
قبل أن ألعن كابوس الحادية عشرة وبعدها بقليل عليّ أن أدعو الله بأن يرد كيد العابثين أينما كانوا ومن كان لهم داعما أو محرضا لكل ما من شأنه أن يروع الغافلين الساكنين والعابدين والآمنين.
نعم، لم يكن لدينا حينها سوى الدعاء، لكن الأكثر دعماً لمثل هذه المشاعر وفي ساعات عصيبة جدا لكونها كما ذكرت قريبة من الحدث الذي كان قريباً من أعز الناس لي في هذه الدنيا، كنت قلقة جداً على إخوتنا من رجال الأمن، خشية من أن يقال: إنهم قتلوا، وأنهم ودعوا أمهاتهم وزوجاتهم وأحباءهم؟ كل هذا بدا لي كما لو أنه حزن من وعاء واحد، وقد أثبت الإرهاب إنه وجه واحد، وإنه لا يفرق بين ظالم ومظلوم، لكون معظم الجرائر تأتي على أرواح أبرياء ينطقون بالشهادة ناهيك عما كان صريحا وواضحا لتحريم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق!
لطالما حاولت أن ألتقط بسمة من ثغر المعاناة، ولطالما أذاقتني مثل هذه المشاهد طعم الحكمة وما بعد الحدث وفوائد المصائب وقد تراءى لي في مثل هذه اللحظات أن الوطن لا يقل قيمة عن أمي وأختي وأبناء أخي، وبنات أختي وابنتي، كنت أتلوى من الجزع لكنني حقيقة كنت هادئة، ثائرة، هلعة، ومتريثة، فقد كنت لا أود أن أطمئن على أحدهم قبل الآخر.
كلهم سالمون، والحمدلله الحامي وحده، أن بيتنا الكبير، (وطننا الأغلى) بمشيئة الله وحده سيبقى بخير.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved