تنامي العنصرية في العديد من الدول وخصوصاً الغربية ضد المسلمين بالذات ليس جديداً، ويخطىء من يؤرِّخ لظهور هذه العنصرية وانتشارها بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م .. ففي أواخر عقد الثمانينات وأوائل عقد التسعينات من القرن الماضي انتشر التعصب ضد الإسلام وتنامت معاداة الإسلام في أوروبا بالذات ما أدى إلى تداول مصطلح في الثقافة الإنجليزية بعد أن أخذت وسائل الإعلام وبالذات محطات التلفاز والإذاعة استعمال مصطلح (إسلامو فوبيا) أي التعصب ضد الإسلام .. ومع أنّ ظاهرة التعصب ضد الأديان من قِبل معتنقي الأديان الأخرى ليست بالجديدة إلاّ أنّ ظاهرة معاداة الإسلام - كما ينبِّه إلى ذلك السيد كوفي عنان في مداخلة له في الحلقة الدراسية التي بدأت أمس الأول في مقر منظمة الأمم المتحدة بنيويورك - ظاهرة تعود إلى قرون مضت، إلاّ أنّ تراكمات التاريخ والآثار المترتبة على ما وقع مؤخراً من أحداث جعل العديد من المسلمين في شتى أنحاء العالم يشعرون بأنّهم مضطهدون ومساءٌ فهمهم، كما يشعرون بالقلق من بخس حقوقهم كما يحصل في العديد من الدول الأوروبية وأمريكا، بل وحتى على سلامتهم البدنية، إذ حصلت العديد من حالات الاعتداء الجسدي على كثير من المسلمين، وكلنا يتذكر ما تعرَّض له المسلمون في أمريكا من اعتداءات بعد أحداث (سبتمبر).
.. والذي ينمِّي حالة العداء للإسلام والمسلمين هو الجهل التام بمبادىء الدين الإسلامي والتشويه المتعمَّد من قبل العنصريين الذين ينتقون أفعالاً وممارسات معيَّنة ويقدمونها كنموذج تمثِّل هذا الدين الثري .. كما أنّ الصور النمطية لبعض المسلمين والتي تظهرهم وكأنهم يعادون الآخر وينبذون العيش مع الآخرين، وإظهارهم بمظهر المعارض وبالذات للغرب، على الرغم من وجود تاريخ لم يقتصر على الصراع، بل حصل أيضا بالتجارة والتعاون وتأثير كل طرف في حضارة الآخر، فلم يكن يقدّر للحضارة الأوروبية أن تتقدم إلى المدى الذي وصلت إليه ما لم يكن العلماء المسيحيون قد استفادوا من علوم وآداب المسلمين في العصور الوسطى وما بعدها.
.. لمواجهة العنصرية ضد الإسلام والمسلمين يقدِّم السيد كوفي عنان حزمة من الوصايا والاقتراحات يرى فيها مكوناً أو قاعدة لوضع استراتيجية لمكافحة معاداة الإسلام تعتمد بقوة على التثقيف بحيث تتراءى وتتضح الأباطيل والأكاذيب .. ويقول إنّه لا بد لنا من أن نحول دون استخدام وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت لنشر الكراهية، مع القيام بطبيعة الحال بحماية حرية الرأي والتعبير.
.. وهنالك حاجة ماسّة للقيادة، فلا ينبغي للسلطات العامة أن تشجب معاداة الإسلام فحسب، بل ينبغي لها أيضاً أن تعمل على إنفاذ القانون واتخاذ إجراءات أخرى لوضع التعهدات بعدم التمييز موضع التنفيذ.
وفي العديد من البلدان المسيحية، تشكِّل طوائف المسلمين الكبيرة فيها ظاهرة جديدة نسبياً، علما بأنّ التكامل يمثل عملية متبادلة، فلا بد للمهاجرين من التكيُّف مع مجتمعاتهم الجديدة، وعلى المجتمعات هي الأخرى أن تتكيَّف معهم، ولا بد للمضيفين والمهاجرين على السواء من أن يتفهم كلُّ طرف منهما تطلُّعات ومسؤوليات الطرف الآخر، ولا بد لهم من أن يتمكنوا، عند الاقتضاء، من العمل معاً ضد الأخطاء المشتركة كالتطرف.
ويمكن للحوار بين الأديان أن يكون مفيداً .. وغني عن البيان أنّ المشكلات لا تحدث بسبب أوجه التشابه بين الأديان والتي عادة ما يحتفى بها في مثل هذا الحوار، بل إنّ تلك المشكلات تحدث بسبب أوجه أخرى للتشابه - منها ميل البشر إلى محاباة جماعاتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم على حساب الغير -.
ويمكن للأنشطة المتبادلة بين الأديان أن تتخذ اتجاهاً أكثر عملية، فتبنى على أساس نماذج الجماعات التي يواظب أُناسٌ مختلفون في إطارها على الحضور إلى رابطات مهنيّة أو إلى الملعب الرياضي أو غير ذلك من الأوساط الاجتماعية .. فمثل تلك الصلات اليومية ليس فيها ذلك القدر من التكلُّف الذي يتَّسم به الحوار المقرر، وهي يمكن أن تفيد بشكل خاص في إزالة الغموض الذي يحيط بالآخرين .. وأنه لا بد لأي نظرة أمينة لمعاداة الإسلام ألاّ تغفل السياق السياسي، فقد مرّ المسلمون عبر التاريخ بتجارب منها استعمال الغرب لهم أو سيطرته عليه، بشكل مباشر أو غير مباشر. وهنالك استياء يعززه عدم حل الصراعات في الشرق الأوسط، والوضع القائم في الشيشان، والفظائع التي ارتكبت ضد المسلمين في يوغوسلافيا السابقة.
إنّ ردّ الفعل إزاء تلك الأحداث يمكن أن يكون عميقاً وعفوياً، إذ يكاد يثير إحساساً شخصياً بالإهانة، غير أنّه ينبغي لنا أن نتذكر أنّ ردود الفعل هذه سياسية - إذ إنّها خلافات مع سياسات معيَّنة - وغالباً ما يُساء فهمها فيُنظر إليها باعتبارها، ردّ فعل إسلامي مناهض للقيم الغربية، مما يؤدي إلى فعل معاد للإسلام .. ولا بد للجهود المبذولة لمكافحة التعصب ضد الإسلام من أن تعنى أيضا بمسألة الإرهاب والعنف الذي يُرتكب باسم الإسلام .. فلا ينبغي الحكم على الإسلام بأفعال المتطرفين الذين يعمدون إلى استهداف المدنيين وقتلهم .. فالقلَّة تسيء إلى الكثرة، وفي ذلك ظلم للكثرة. ولا بد لنا جميعاً من أن ندين أولئك الذين يرتكبون مثل هذه الأعمال الذميمة، التي لا يبررها أيُّ سبب .. وينبغي على المسلمين على الأخص أن يجهروا بالقول كما فعل العديد منهم في أعقاب الهجمات التي وقعت في 11 سبتمبر ضد الولايات المتحدة، وأن يبدوا التزاماً بعزل أولئك الذين يدعون إلى العنف أو يمارسونه، ويوضحوا أنّ هذه الأعمال تشوِّه صورة الإسلام تشويهاً لا يمكن قبوله والإغضاء عنه. والحق أنّه من الضروري أن تتبع الحلول من داخل الإسلام نفسه - ربما في إطار مبدأ (الاجتهاد) الإسلامي - الذي يعني التفسير الحر للأمور.
إنّ تلك المصارحة وذلك الانفتاح على ما هو جيد وما هو سيىء في ثقافاتهم وثقافات غيرهم، قد يتيح طريقاً مفيداً جداً تمضي عليه هذه المسألة وغيرها.
ويخلص السيد كوفي عنان إلى القول: إن معاداة الإسلام قضية شخصية للمسلمين ذات أثر عميق، وهو أمر بالغ الأهمية لأيِّ شخص يهمه الاستمساك بالقيم العامة، كما أنّها مسألة لها آثارها على الوئام والسلم الدوليين. ولا ينبغي لنا أن نهوِّن من الاستياء والشعور بالظلم الذي يشعر به أعضاء أحد أديان وثقافات وحضارات العالم الكبرى .. ويتعيَّن علينا إعطاء أولويتنا العليا لإعادة الثقة بين الناس من مختلف الأديان والثقافات .. فإن لم نفعل فسوف يظل التمييز يُفسد حياة العديد من الأبرياء وقد يحول سوء الظن دون تقدمنا على طريق إنجاز برنامجنا الدولي الطموح لتحقيق السِّلم والأمن والتنمية.
.. إننا نعيش في عالم واحد ولا بد لنا من أن يفهم كلٌّ منا الآخر وأن يحترمه، ولا بد لنا من أن نعيش معاً في سلام، وأن نرتفع إلى مستوى أحسن ما تدعو إليه تقاليدنا .. وليس هذا الأمر باليسر الذي نوده .. غير أنّ ذلك أدعى لأنّ نحاول أن نبلغ ذلك بمزيد من الجد، مستخدمين كل ما لدينا من أدوات وكل ما لدينا من إرادة.
|