حين تفتح النافذة من غرفة الجلوس نحو الفناء، تكون الواجهة شجرة ذات ظل وفروع وشجون تكفي لالغاء وإقامة عدد متجانس من طائر الحمام ومجموعات من العصافير التي لا تهدأ إلا بقوة الظلام، وجملة من كائنات خفيفة طيارة، ودابة وزاحفة.. يظلم بعضها بعضاً، ويقسو قويها على الضعيف في غطرسة قد تصل لالتهام ما يُستساغ ويُهضم.. مشاهد ملفتة لصراع كائنات لا نلقي لها بالاً وسط صراعاتنا التي سرقت اهتمامنا بصراع أي كائن آخر حولنا.
وفي ظلمة المساء وهدأة الليل، تتحرك كائنات وتخلد أخرى، ومنها من ينام ومنها من يستعد للسهر وممارسة مراسمه المعتادة.. ومن ذلكم نوع من الصراصير معجب بنفسه مزهو بصوته مأخوذ بخدعة تسمى العشق، فيمضي ليله صفيراً وتزميراً وصخباً، زاعماً أنه يغري عشيقته (صرصوره) بتلك الالحان التي لا نملك الحكم عليها سلباً أو إيجاباً؛ لأنها لا تدخل في دائرة تذوق البشر.. وهو لا شك عاشق نصاب أفاك كذاب؛ فالعشق يعني التفاني والتضحية، وهذا يعني الاجتهاد نهاراً لطلب الرزق له وللمحبوبة الغالية، ثم نوم عميق يريح به نفسه وكل من حوله من كائنات، بما فيها زوجة المستقبل التي تتمنى قبل غيرها أن يبح صوته ولو ليلة واحدة أو تلتهب حنجرته (ان كان له حنجرة) حتى تسعد بنوم هادئ، ومن ثم تثبت له انها تستطيع العيش دون صفيره، ودون ادعاء متكرر منه بأنه إنما يسهر لحراستها.. كذاب أشر.. فإن كان حارساً بالليل فأين هو منها نهاراً؟!.. حتى الحشرات تعلمت النصب والاحتيال، فأين المفر؟.
|