في أوائل الستينيات ظهر كتاب أثار ضجة كبرى في أوروبا، وأصبح كتاب العام من حيث التوزيع والرواج، واختطفه العامة والخاصة ليستمتعوا به.
فما هذا الكتاب يا تُرى؟ ولماذا أثار هذه الضجة؟ ومَن هو مؤلفه؟ هل هو من كبار الكتَّاب أم من مشاهير الناس؟ وما الموضوعات التي طرقها؟ وهل هي مهمة وخطيرة إلى هذا القدر الذي جعل الكتاب يُطبع مرات ومرات؟!
المعذرة، فقد سها علي أن أقدِّم لك - قارئي العزيز - اسم هذا الكتاب.. أما مؤلفه فلم يعد في الذاكرة الملساء متَّسع له!! واسم الكتاب ما زال عالقاً بذهني لغرابته وطرافته، وهو ما يمكن ترجمته بما يلي: (بَيْرَقِي إلى أسفل) أو (عَلَمِي منكَّس)، وكلا الترجمتين لا تعكسان طرافة الكتاب، ولا تنقلان جاذبية العنوان بالإنجليزية وهي: (My Flag is Down).
والعنوان يُوحي بانشغاله الدائم وحركته الدائبة، وهو يعني العَلَم الصغير المتصل بعدَّاد سيارته الذي يظل إلى أسفل ما دام (التاكسي) مشغولاً. ومؤلفه - ولا تعجبوا - سائق سيارة أجرة في مدينة الضباب، في لندن الصاخبة. وموضوعه أحاديث وحكايات مثل أساطير شهر زاد، إلا أنها أكثر اتصالاً وأكثر طرافة في بعض الأحيان، وهي حكايات الناس الذين يستقلون سيارة صاحبنا وحياتهم بكل تفاصيلها ودقائقها.. يسكبونها في أذنه وهم يتحدثون فيما بينهم وهو منصتٌ يسمعهم.. أو يتحدث الرجال معه عن المشكلات عامة، أو مشكلاتهم مع زوجاتهم، أو تتحدث الزوجات عن مشاكلهن مع أزواجهن، أو عن (عفرتة) الأولاد، ومصاريف المدارس، ومضايقات الضرائب، ومصاريف العلاج!! أو يتحدث المراهقون والشباب عن مشاكلهم مع الآباء والأمهات وتدخُّلهم في شؤونهم.
وهي حكايات لا تنتهي! ولا تعي ذاكرتي شيئاً منها الآن!
الذي أريد أن أقوله أن أسلوب الكاتب وشهرته ومقدرته الأدبية لم تكن سبباً في رواج الكتاب وانتشاره؛ لأنها مفقودة، وإنما كان هناك شيء واحد، شيء نادر وبسيط (كالملح)، ولكنه ضروري لكل عمل ينشد صاحبه له النجاح والخلود!
الصدق، وهذا ما أعتقد أنه سبب نجاح بعض الأعمال الأدبية وبعض الكتَّاب.
|