لا أعلم حتى الآن لماذا أصبحت فكرة إقامة قطار ينطلق من الرياض إلى جدة أمنية وطنية، كل وزير له علاقة بهذا الموضوع لابد أن يأتي اليوم الذي يدغدغ به عواطف الجماهير بتصريح حول هذا الموضوع، لا أتذكر متى سمعت أول تصريح حول هذا الموضوع ولكن أؤكد أنه يعود على الأقرب إلى ثلاثين سنة خلت، مشروع كهذا لا يتعدى أن يكون مشروعاً اقتصادياً يتقرر وجوده وفقاً للمصلحة ولا علاقة له بالأماني العاطفية التي تنتظم حياة الإنسان العادي، لا أعلم كيف انتقل من منطقة العمل الاقتصادية إلى حالة عاطفية سعودية رغم أن كثيراً من الناس لا ينظر إلى القطار الوحيد الموجود الآن بأدنى نظرة عاطفية، لم أسمع حتى الآن من يمتدح تجربة هذا القطار مع الركاب، آخر مرة ركبته قبل حوالي عشرين سنة، وفي كل مرة أقرر أن أركب عيالي فيه أقرأ هنا وهناك أسوأ الأخبار والتعليقات، أقول في نفسي لا أمل في إصلاح هذا القطار ثم أقنعها (نفسي) بتأجيل الفكرة حتى يصبح قطار جدة جاهزاً للركوب، فمن كثرة التصريحات حول قطار جدة الذي سينطلق (قريباً إن شاء الله) تحولت أوهام هذا القطار إلى شيء يشبه الحقيقة.
ما كنت ناوي أفتح معكم هذا الموضوع ولا أتذكر أني تحدثت مع أي من الناس حول هذا الموضوع، بالنسبة لي هواجس ركوب قطار وعدم ركوب قطار مثل هواجس السفر إلى الاسكيمو، هذا النوع من الهواجيس هي هواجيس من تنقصه مادة وأفكار لهواجيس أجدى وأنفع، بعد كل تصريح لأي وزير حول هذا الموضوع أصرف دقيقة أو دقيقتين أهوجس في الموضوع ثم انصرف إلى هواجيس أكثر متعة وفائدة، قبل أمس داهمتني الهواجيس المتعلقة بالقطار، ولأول مرة تأخذ مني أكثر من دقيقتين، لا يعني هذا أني عدلت كمية الوقت المخصص للهواجيس في القطار لكن الظروف فرضت إضافة من سبع إلى عشر دقائق لهذا النوع من الهواجيس (بشكل مؤقت طبعاً) لأني في السنة القادمة عندما يصرح معالي وزير النقل أو أي وزير له علاقة بالقطار سوف أكتفي بالدقيقتين المخصصتين كل سنة للهواجيس في القطار، قصة السبع دقائق الإضافية التي منحتها لهواجيس القطار جاءت بالصدفة، كنت أراجع زاويتي التي نقرأها الآن وأقارن بين النص المنشور وبين النص الأصلي، فوقع نظري على تصريح في نفس الصفحة لمعالي وزير النقل، قرأت العناوين العريضة لتصريح معاليه والمدججة بالأرقام المالية الضخمة فسحبتني بطريقة مفاجأة إلى ذكريات الطفرة الجميلة، أيام طهبلة الأرقام المالية (مليار ومئتا مليون لإنشاء مستوصف في عفيف، ثلاثة مليارات لمشروع تشجير مدينة المبرز، مئتان وثلاثة وعشرون مليوناً لبناء دار للأيتام في نجران) أرقام كبيرة والنتائج شوفت عينكم، أول الأمر لخمونا وطرنا في العجة، ولكن مع الأيام بدأنا نتعامل مع الأرقام التي تأتي في تصريحات المسؤولين كنوع من الفانتازيا، شيء يراوح بين الشعر والسباحين.
في البداية لم نجد لها تصنيفاً في ذائقتنا الأدبية وأخيراً وضعناها بشكل مؤقت مع الأدب الشعبي ومع الوقت بدأت هذه التصريحات تنسجم في هذا التصنيف على أساس أنها تمثل النوع الحداثي من السباحين، لعل القارئ الكريم تفهم الآن لماذا زودت الدقائق المخصصة للهواجيس في موضوع القطار، فالدقائق الإضافية لم تصرف في مشروع القطار، وإنما في تداعيات الطفرة التي هيجتها الأرقام المالية الكيبرة التي جاءت في تصريح معاليه. أو كما قال الفنان الراحل عبدالله محمد (هيج الذكرى بقلبي فاستبد بي الحنين، فتفطر القلب المتيم في هواك أتشعرين) فمعاليه أعاد إلى قلبي سباحي الأيام الخوالي، أرقام ضخمة ولكن إذا جئنا على الواقع، لا نرى إلا حفراً وجفراً لكن عزاءنا في تراكم الأدب الشعبي وخاصة السباحين الحداثية.
فاكس 4702164
|