للانتخابات أشكال وصور وتطبيقات تختلف تبعاً لاختلاف أغراضها وأهدافها ، وبشكل عام ومبسط وبعيد عن التعقيدات والتفصيلات العلمية ، يرى فيها الاقتصاديون أداة مناسبة للتعرف على طبيعة وماهية طلب المجتمع الخاص بمجموعة الخدمات العامة والبرامج الحكومية ، تمكن صناع القرار من تلبية رغبات غالبية أفراده. وهي تعمل عمل الأسعار بالنسبة للسلع والخدمات العادية في توزيع النفقات على أوجه الإنفاق المختلفة .. فالناخب في حقيقة الأمر عندما يصوت لصالح أحد المرشحين فإنه لا يصوت لذات المرشح ، وإنما يصوت لصالح برنامجه الانتخابي الذي يسوقه ، الذي يتضمن وعوداً بتحقيق مجموعة من المطالب والسعي لتوفير مجموعة من الخدمات.
وسيكون حريصاً على الذهاب والتصويت متى ما دعا حجم المنفعة التي ستعود عليه متى فاز مرشحه ، والخسارة التي يمكن أن يتكبدها متى فاز المرشح الآخر. ذلك أنه - وفي حالة المجالس البلدية - توجد مبالغ معينة مخصصة للإنفاق على توفير خدمات وبرامج يحدد طبيعتها المجلس البلدي وفق الإطار الذي يحكم عمله ووظائفه ، ومهمة الانتخابات مساعدة المستفيدين من هذه المبالغ على توجيهها نحو الخدمات والبرامج التي يفضلونها ، وبالتالي فالناخب سيسعى لتحقيق هذا الهدف عن طريق التصويت لصالح مرشحه المفضل ، ويعلم أنه إذا لم يذهب ويصوت فربما أثر ذلك سلباً على حظوظه في الفوز ، ورجحت كفة المرشح الآخر ، الذي يدعم توفير مجموعة من الخدمات والبرامج الحكومية لا يفضلها بنفس درجة تفضيله للأولى.
وفي الدول التي تشكل إيرادات الضريبة المورد الرئيسي للحكومة ، ينظر الناخب إلى ما يدفعه من ضرائب على أنها ثمن ما توفره الحكومة من خدمات وبرامج للمواطنين ، وبالتالي فهو حريص على أن يكون ما يشتريه منها ملبياً لاحتياجاته ورغباته ولا يتأتى ذلك إلا بالتصويت.
وهكذا الحال في بقية أنواع الانتخابات الأخرى ، فالناخب يصوت لصالح برنامج لا لذات الشخص المرشح ، ولذلك فإن معرفة الناخبين المسبقة ببرامج المرشحين وما يستلزمه من معرفة أسماء المرشحين ، أهم عوامل حفز وتشجيع الناخبين للذهاب والتسجيل والتفاعل مع العملية الانتخابية ، ولذا فليس بمستغرب تواضع إقبال الناخبين على التسجيل في ظل عدم معرفتهم بطبيعة البرامج التي سيصوتون لها أو ضدها.
ولضعف الإقبال على التفاعل مع تجربة الانتخابات أسباب عدة ، بعضها هيكلي يعود إلى طبيعة وفلسفة عملية الانتخابات والأسس التي تقوم عليها ، وبعضها راجع إلى ثقافة المجتمع وتفهمه واستيعابه لهذا المتغير الجديد ولقناعته بجدواه والآثار المترتبة عليه.
ويتطلب إحداث التغير المطلوب في وعي المجتمع واستيعابه لقضية ما تضافر الجهود ، ووضع الخطط والبرامج الوطنية اللازمة وتنظيم حملات تثقيفية وتوعوية - وليست دعائية - تناسب الشرائح المختلفة للمجتمع يقوم عليها متخصصون ، وأؤكد على كلمة (متخصصون) ، إذ ان من الغرائب أن أصبح كثيرون ما بين ليلة وضحاها من هذه الفئة ، وعندما يقرأ لهم الشخص أو يسمع لا نجد أكثر من (أن الانتخابات جيدة وينبغي على الجميع أن يشارك فيها) ، لكن لا نجد إجابات توضح طبيعة الانتخابات وما تعنيه ولماذا يجب عليك أن تشارك ، وما الذي ستخسره فيما لو لم تشارك ؟ إلى غير ذلك من الأسئلة بأسلوب علمي ومقنع ، وفي حالات أخرى تقتصر التغطية الإعلامية على سؤال مجموعة ممن سجلوا أسماءهم عن مشاعرهم وأحاسيسهم بهذه المناسبة.
|