تحدثت في مقالي السابق عن أهمية الوثائق غير الرسمية، وأشرت إلى جهد الاستاذ فايز البدراني الذي شارك بجهد طيب في هذا المجال، وكان مما صدر له مؤخراً كتاب (وثائق تاريخية من منطقة المدينة المنورة، القسم الأول وثائق وادي الفرع)، ج ا (1000-1180ه)، وفي هذا الجزء، في 993 صفحة، ركز فيه على نشر نصوص الوثائق مع صور ضوئية لكل وثيقة، وسرد شروحاً وتعريفات في الهوامش.
ويذكر البدراني في مقدمة الكتاب أن الأهمية الحقيقية لدراسة هذه الوثائق أنها تمثل مصادر تاريخية موثقة لكثير من النواحي الغامضة في تاريخنا، ويذكر أنه من الممكن إيجاز أهم فوائدها بأنها تعطينا معلومات مهمة ودقيقة عن جوانب كثيرة مثل:
1- الحياة الاجتماعية والاقتصادية للتجمعات السكانية التي كانت بعيدة عن متناول المؤرخين.
2- الحياة الفكرية والدينية والمذاهب الفقهية السائدة.
3- أعلام الفقهاء وأئمة المساجد في تلك القرى والأرياف.
4- شيوخ وأعيان القبائل والقرى الذين لم يحظوا بالكتابة عنهم.
5- اللهجات المحلية والمراحل التي مرت بها.
6- العملات النقدية المتداولة خلال القرون الأربعة السابقة للحكم السعودي الحالي.
7- دراسة القضاء العرفي والقوانين القبلية وأشهر القضاة.
8- الحياة السياسية والأوضاع الأمنية.
9- تحقيق الأنساب ومعرفة تسلسل الجدود لكثير من الأسر المعاصرة ذات العلاقة بمنطقة البحث.
10 - دراسة الكتابة والمراحل التي مرت بها، ومعرفة أعلام كتبة الوثائق في تلك المنطقة.
والمتتبع لما ورد في هذا الكتاب يلفت انتباهه نمط اللغة التي كتب بها، والتي تظهر بعض المصطلحات والكلمات التي كانت تشيع في منطقة وادي الفرع، واستخدام بعض المصطلحات وورود بعض الأسماء وخصوصية بعض الأسماء أيضاً.
ولعلي هنا أورد نص إحدى الوثائق ليرى القارئ نمط اللغة التي كتبت بها، وما كان يسودها من مصطلحات أو مفاهيم حول قضايا تمس الحياة اليومية.
ورقم هذه الوثيقة في الكتاب 304 وموضوعها (مبايعة ملك بوادي الفرع)،
ونص الوثيقة:
(.. والمبيع ثمن قدره ستة حمران، وكل أحمر قدره تسعون ديواني، مقبوضة بيد البايع (شوشان بن محمد) بالوفاء والكمال، وصح المبيع المذكور بيعاً تاماً لازماً نافذاً قالطاً من يومه، وساعة سالم من جميع الفساد والموانع التي تبطله، بل على أتم البيوع الشرعية، وألزم البايع (شوشان) الشاري (أحمد) عرضه عرضاً ما روث من الطلب واللغب ومن تقلب العرب على العرب والهبش والنبش ومن خبثة النفس منا شهر وذكر، وكفل (شوشان) جميع عياله وألزم عرضه عليهم عرضاً ما روث، وما غار من المبيع المذكور على (أحمد) فله الهجا والقدا على (شوشان) من ماله وضمانه من أعز ما يملك، وسار جميع ما يملكه (شوشان) وعياله في صوت الأربعة (الحدود) في ملك الله وملك (أحمد بن ناصر) يدبره حيث يشاء، وعلى ذلك وقع الأشهاد والله خير الشاهدين).
ونستطيع القول ان هذا الجزء من كتاب (وثائق تاريخية من منطقة المدينة المنورة) للأستاذ البدراني يمكن أن يتحول إلى مادة بحثية على درجة كبيرة من الأهمية لمن يرغب في دراسة المجتمع المحلي، وتطور المعرفة وخصوصية بعض الكلمات والمصطلحات ونمط أسماء الأشخاص من الذكور والاناث.. وبمعنى آخر فإن هذه المجموعة تمثل تاريخ حياة المنطقة التي جمعت منها، خلال قرنين على وجه التقريب.
يُتبع إن شاء الله في الأسبوع القادم.
|