(1)
** لم يُطقْ أحدُ أساتذةِ المدرسة النقدية (المثالية) - التي ذاعت خلال القرن الثامن عشر - نهاية مسرحية (الملك لير) بموت (كوردليا) فلم يعدْ إلى قراءتها مرة ثانية، وفضل عليها صيغة معدلة تتجاوز فيها الموت ويعيش معها (لير) سعيداً، وكان هدف (الدكتور جونسون) أن يثبت عدم قدرة (الشر) على الانتصار..!
** لعله يذكرنا ببساطة (مسلسلاتنا) و (أفلامنا) وأحياناً (رواياتنا) العربية التي تُختتم بما يضمن سعادة المتابع.. فيتزوجُ الأبطال، ويلتئم الشمل، ويسود الوئام، ويندحر الشر، وينقشع الظلام..!
** ولو وقف الأمرُ هنا لقلنا إننا لا نزال في مرحلة ما قبل ثلاثة قرون.. وسيهونُ علينا ارتدادُنا في قضية نقديّة أو إبداعيّة أو فنيّة.. بعدما ارتددنا في قضايانا الحيويّة الأخرى.. غير أننا نعيش الواقع (المُعتم) بتفكير (يوتوبي) تأخذُنا فيه عظة عابرة.. أو بيان سياسي.. أو خطابٌ ثقافي.. تقدم حلول أزماتنا عبر قراءات (مبتسرة) أو مواقف (براغماتية) أو مسالك (مؤدلجة) ..!
** بهذا جاء صنعُ النهايات السعيدة عبر برامج موجهة (سياسية وثقافية) تتعصبُ للذات والجماعة والشعارات بمنطق (إقصائي) يحتكرُ البطولة المطلقة في مسرحيّة (الخروج من النفق) ..!
** ولهذا فشلت مشروعات الإحياء والنهضة والبعث والتجديد في رسم الفصل الأخير (المنتظر) .. لأنه - دون إغراقٍ في التنظير - يحتاج إلى (سينارست) يلم (الرؤى) في مسارٍ ذي اتجاه واحد لا اتجاهات متقاطعة..!
(2)
** قبل أربع سنوات تابعنا انتخابات (رئيس العالم) ، وزادت حماستنا من أجل (قيصرهم) على حماسة شعبه حتى كدنا نشارك في المساعدة على إكمال العد اليدوي لأصوات ناخبي (فلوريدا) ، وفرحنا حين فاز..!
** هل كنا نتوقع أنه سيقودنا إلى (القدس) ..؟ بالتأكيد.. لا.. لكن (المهزوم) يبحث عن ضوء نجمة تهديه إلى أي طريق..!
*-*-*-*-*-*-
ي تُختتم بما يضمن سعادة المتابع.. فيتزوجُ الأبطال،
طق (إقصائي) يحتكرُ البطولة المطلقة في
طق (إقصائي) يحتكرُ البطولة المطلقة في
*-*-*-*-*-*-
** لم يجئ - حسب مواصفاتنا - بل قال بلسانه: إنه سيقود - بمباركة منا - حرباً (صليبية) ضدّنا، وأيقن بعضنا أن إقصاء (الدين) عن المعركة أكبر خطيئة ارتكبت في هزائمنا المعاصرة، ولم يزل آخرون مصرين على أن (النصر) قادم بالتحالفات والأدلجات والتنازلات..!
** ومرت سنوه العجاف فعاد متحمسونا ليراهنوا على سقوط القيصر مرة أخرى.. وإذ لم فقد أدرك من قرأ الحدث أن سيدة العالم تتجه نحو أقصى اليمين بتطرف غير مسبوق تلعب فيه القيم المسيحية دور البطولة.. وظل فينا من لا يعترف بالدين عاملاً أهم في صراعنا الحضاري الظاهر والمستتر مع (السيدة) وربيبتها.. وباتوا يوجهون المعالجة الدرامية للأحداث بصورة محايدة لا تعرف مثلما لا تعترف بحسابات التاريخ المتكئة على (القوة) و (السيطرة) ..!
(3)
** في الوقت الذي يحاربُ فيه العالم ما يسمى (تطرفاً) فإن الخيار الأمريكي اتجه اتجاهاً (يمينياً) بشهادة الأصوات (الشعبية) إلى جانب الأصوات (الانتخابية) مما يجعلُ حكاية الحرب الموهومة خدعة كبرى، وبمقاربة بسيطة ندرك انتشار الإرهاب اليوم أكثر من الأمس لأن المتطرف الأمريكي جاء وقوداً لتطرف أشد..!
** ورغم مشروعية مواجهة التطرف فإن قراءته لم تجئ صادقة، كما أن توظيفه - مثلما فعل الأمريكيون - لم يلق مناوأة كتلك التي وجدها العرب والمسلمون، غير أن هذه القراءة لا تتجه إلى (المتطرفين) الذين وجهوا حرابهم صوب أمتهم فقتلوا الآمنين والمستأمنين وروعوهم وأعطوا صورة مشوهة لهذا الدين..!
(4)
** مَن الأحقُّ بوصف (التطرف) .. أنحنُ أم هم..؟ سؤال ساذج لا قيمة له غير إشارته إلى بُعدٍ نغفل عنه وهو أن (المتطرف) - في البناء الحضاري - قادر على إمداد أمته بإمكانات جديدة تضمن لها البقاء وربما النجاح في دوائر الصراع..!
** فالمجرم (شارون) ضروري لبقاء دولة يهود، ومثله بقية متطرفي الصهاينة، ولو لم يوجدوا، وحل مكانهم من يفاوض ويتنازل ويحكم لغة العقل والسلام لاندثرت (إسرائيل) منذ زمن..!
** وهكذا كان بإمكان المتطرف (قيصر) أن يكمل مسيرته الاجتياحية لولا مقاومة من لا يزال بعضنا مصراً على أنهم متطرفون أو إرهابيون..!
** ويكشف صدق هذه النظرية أن الأمة خرجت من الواجهة حين تصدر فيها من دعا للتفاوض والسلام وأصبحنا نحارب من يحارب أعداءنا، ثم رأينا في (حماس) و (الجهاد) ونحوهما من المنظمات الموسومة (بالإرهابية) (المتجهة للعدو الخارجي) ملمح أمل لاستعادة الحق.. ولو بعد حين..!
** السادات الفائز بجائزة نوبل للسلام.. والشيخ أحمد ياسين - غفر الله له - الموسوم بالإرهاب صورتان متناقضتان لما يمكن أن نصنعه للقضية أو نصفعها به.. فمن منهما سيحترمه التاريخ..؟!
(5)
** في قراءته لمجموعة الراحل (محمد شكري 1956 - 2003م) (مجنون الورد) أشار (محمد برادة) إلى أنه مقابل النصوص المعتمدة على نصوص غائبة يأتي شكري بمنطق آخر.. فالأشياء قبل الكلمات، والمعيش قبل التخيل، والموشوم أخاديد على الجسد قبل التبشير بالأفضل ومناجاة الثورة المنتظرة ودفن الإحباطات في القصائد والنصوص..!
** لم يأْبَه شكري بما سببه (عُريُه) الإنساني من صدمة عنيفة هزت اقتناعات كثيرين كانت ورقة التوت تحول بينهم وبين إدراك السقوط (القيمي) الذي تردّت فيه مجتمعاتنا العربية، ولم يَعنِ (شكريا) أن يستتر من عوراته المأزومون بخيال التطهر، فقد شاء أن تجيء حلقتُه الأولى كما حلقته الأخيرة كاشفة مواجهة نائية عن تجذير التملق ورتق التمزق، وإظهار الوجه الملمع وإخفاء الحقائق المنطفئة..!
** صاغ (شكري) لغةً مختلفة يواجه بها المجتمع قُبحه، وحق الساسة والقادة أن يشخصنوا ثم يعالجوا ملامح التشويه بعيداً عن عمليات التجميل والتخدير وأجهزة الإنعاش..!
** هنا يبدو الدور التاريخي (للرائد) الذي (لا يكذب أهله) .. وهنا ينحسر دور الممثلين والمطبلين والحالمين..!
(6)
** التاريخ - إذن - ليس فيلماً عربياً نخطط لنهايته وفق ما نريد.. فآلام اليوم آمال الغد، والحلقة التعيسة إرهاص لحلقات سعيدة، والأمة تحتاج إلى أن تناضل في كل الاتجاهات وليس فقط في قاعات المفاوضات..!
** الاعتدال خيال وخلل..!
|