قرأت -بكل سرور- تعقيب الكاتب: حمدين الشحات محمد، في عدد الجزيرة ذي الرقم: 11754، يوم الجمعة 21-10-1425هـ، على مقالة للأستاذ: راشد الشعلان أتحفنا بها يوم الأربعاء: 12-10- 1425هـ، وهي واحدة من المقالات التي تُعنى بالمعالجات اللغوية التي تضع المبضع على بعض جراحات طلابنا في لغتهم العربية. وقبل أن أدلف إلى ما كتبتُ مقالتي من أجله، أود الوقوف على أعتاب تعقيبات أخي: حمدين على مقالة الأستاذ: راشد، بما يلي:
1- ذكر الأستاذ: حمدين ثلاثة أضلاع اعتبرها ضليعة في تحمل مسؤولية الضعف الإملائي لدى الطالب هي:( الطالب، والمعلم، والمنهج)، وهي -ولا شك- الأسباب المباشرة، وأزيد ضلعاً رابعاً يشترك مع سابقيه الثلاثة، ألا وهو: ولي الأمر، وإن لم يكن دوره دوراً مباشراً في ضعف الطالب، إلا أن له دوراً خفياً وبارزاً في آن واحد، وذلك عند انتقال ابنه إلى المنزل، فيه تكمَّل مسيرة المعلم في أداء ما أنيط إلى الطالب من واجبات، وإنه من خلال تجاربنا في الميدان مع المعلمين الذين نشرف عليهم تبين أنه يقف وراء فئة غالبة من الطلاب المتفوقين أو الذين تحسنت مستوياتهم في الإملاء أولياءُ أمور يتابعون مستوى تحصيل أبنائهم، ويكملون دور المعلمين في تنفيذ البرامج العلاجية التي يقوم بها المعلمون في الصف، ولذا دأب بعض المعلمين على تكليف الطلاب -ذوي الآباء المتعلمين- بدفاتر مساندة يقوم ولي الأمر بدور المعلم في الإملاء والتصحيح، بعد الاتفاق على الجمل والعبارات المملاة، ثم تُعرض في نهاية الأسبوع على المعلم للاطلاع عليها، والتأكد من موافقة ما يملى للقواعد المقررة على الطالب، وقد آتت تلك التجربة ثماراً جناها كثير من طلابنا، وإن كانت طريقة لا تصلح في بعض المجتمعات إلا أنها تسجل ضمن وسائل العلاج.
2- ذكر الأستاذ: حمدين في تعقيبه على الأستاذ: راشد، ما نصه:( طلبك (تخصيص دفاتر لضعاف التلاميذ.. إلخ) سيكون كمن يعالج الجرح بكسر العضو)، وأقول لأخي: حمدين: حبذا لو فصلت أكثر، فما هو ذاك العضو الذي سيكسر؟ فتلك طريقة علاجية ناجعة مجربة، إلا إن أردت بكسر العضو جوانب نقص نفسية يحس بها ضعاف الطلاب. كيف تخصص لهم دفاتر دونما غيرهم؟ فأرى - ومن وجهة نظر خاصة- أنه لا مجال لحضورها هنا، ذلك أن مراكز خدمات الطلاب التي تقوم بدروس التقوية تملأ المدارس، ويتجه إلى التسجيل فيها الطلاب الضعاف وبعض المتفوقين دون غضاضة أو حياء أو حتى إحساس بالنقص. وإن فرضنا أن ذلك الشعور النفسي موجود فلا مناص من مصارحة الطالب وولي أمره بالمستوى المتدني، سعياً وراء العلاج بأي مصل وإن كان موجعاً.
3- ذكر الأستاذ: حمدين: أن من أسباب ذلك الضعف:( التهاون في تصحيح الأخطاء الإملائية)، وقد صدق والله فإنها لمشكلة يعاني منها من سبر واقع بعض المعلمين في المدارس -وللأسف الشديد- تجاوزات كثيرة يرتكبها البعض بقصد أو دون قصد دونما استشعار -في بعض الأحيان- للأمانة التي قلدت في أعناقهم تجاه أبنائهم الطلاب، وأود لفت نظر زملائي المشرفين مع معلميهم إلى ضرورة التأكيد على تصحيح تطبيقات الكتاب في مواد اللغة العربية، وخصوصاً في المرحلة الابتدائية، وإن كنا نعلم أن المعلم لن يجيب ولن يُقرَّ من الطالب إلا بما هو صحيح، ولكن يجب أن نسلم بأن الطالب -في مثل هذه السن- عرضة للاستقبال الخائطي، وبالتالي الإجابة في الكتاب بصورة خاطئة، ويؤكد هنا على ضرورة تدوين تقويم رقمي لا وصفي أمام التمرين الذي أجاب عنه الطالب بنفسه، ذلك أن الرقم يعني شيئاً لا يستهان به في جوانب التعزيز، ولما له من دور تنافسي بين الطلاب، ووقوف ولي الأمر على المستوى الحقيقي لابنه.
أعود لما بدأتُ الحديث به، وهو ما كتبتُ مقالتي من أجله، وهو أنني أرى ان العلاج لا يُطلب من طرف واحد، أو حتى أن يُحصر في أطراف محددة، بل يجب أن نجعل أبواب العلاج مشرعة ليدخل منه كل عضو في تعليمنا، ومن أولئك ما يلي:
1- وزارة التربية والتعليم، ممثلة بوكالة التطوير التربوي، كونها الجهة المسؤولة عن وضع المناهج وصياغتها، وأود مشاركة المسؤولين فيها ببعض المرئيات التالية:
(أ): إطلاع المعلمين في الميدان عن طريق تعميمات تصل إلى جميع الإدارات التعليمية بما يستجد من تعديل أو إضافة في المهارات الإملائية، مثال ذلك: الاستغناء - لانعدام الحاجة - عن الألف في كلمة (مئة)، والفصل بين العددين في (خمس مئة) مثلاً، وهما مهارتان مقررتان على المرحلة المتوسطة، وعليه - والحالة هذه - فقد لا يطلع عليهما سوى معلمي المرحلة المتوسطة، أما المعلمون الذين بقوا سنوات عديدة في تدريس المرحلة الابتدائية أو الثانوية - على الأغلب - لم يطلعوا على هذا التعديل، وهم مطالبون - بطبيعة الحال - بتصويب الخطأ عندما يقع فيه طلابهم.
(ب): ضرورة التوازن في توزيع المهارات الإملائية على الصفوف الدراسية في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، فقد يكون هناك صف أو فصل دراسي قد قُررت عليه مهارات أكثر من غيره، وهذه الملحوظة ليست خاصة في مادة الإملاء بل هي موجودة حتى في مادة القواعد.
(ج): ضرورة مراعاة المرحلة العمرية، والكفاءة الاستيعابية عند إقرار مهارة معينة على صف دراسي معين، مثال ذلك: تدريس مهارة (كتابة الألف المقصورة في آخر الكلمة في الأسماء، والأفعال، والحروف)، في الفصل الدراسي الثاني لدى طلاب الصف الرابع الابتدائي، هي في نظري وفي نظر كثير من معلمي المادة أن هذه المهارة قد يتعذر فهمها على الطالب في مثل هذا الصف، فلو أرجئت إلى الصف الخامس أو حتى إلى الصف السادس لكان أدعى إلى سرعة فهمها، لا سيما وأن كيفية كتابة الألف المقصورة في الفعل بخاصة والمعتل بصورة أخص، تستوجب على الطالب، أن يعرف كيف يحوله إلى زمنه المضارع، ويعرف أصله أهو واو أم ياء أم ألف، فيجب عليه أن يعرف -مثلاً- مضارع الفعل (دنا) أهو (يدنو، أم يدني؟) فإن قُدِّر له أن يعرف هذا، فكيف به أن سيعرف أن مضارع الفعل (دعا) أهو: يدعو أم يدعي؟! إذا كان الفعل (يدعي) خطأ شائعاً لدى الطلاب؟!
(د): هنالك أولويات تجب مراعاتها في توزيع المهارات على الصفوف الدراسية، فلدينا مهارات أولية تستوجب من الطالب أن يلم ببعض منها في أول سنة من سنوات دراسته في الصفوف العليا من المرحلة الابتدائية الا وهو الصف الرابع، ومن تلك المهارات: مهارة همزتي القطع والوصل، وأنا أعلم أن لتلك المهارة تفصيلات كثيرة قرر تدريس جزء منها على طلاب المرحلة المتوسطة، وقبل ذلك قرر تدريسها بصورة مبسطة مفهومة على طلاب الصف السادس الابتدائي، وفي نظري لو تم تقديمها بدلاً من تدريسها في الصف السادس إلى الصف الرابع لكان أجدى، لأنها مهارة مهمة وكثيرة الاستخدام، وهي -بصورتها المقررة على طلاب الصف السادس- أبسط بكثير من بعض مهارات الهمزة المقررة على طلاب الصف الرابع في الفصل الدراسي الثاني، أو الصف الخامس بفصليه.
(هـ): زيادة عدد حصص تدريس مادة الإملاء في المرحلة الابتدائية والمتوسطة، فحصتان للصف الرابع في الأسبوع، وحصة واحدة في الأسبوع من الصف الخامس إلى الصف الثالث المتوسط غير كافيتين أو كافية للشرح، والإجابة على تدريبات الكتاب، وتنفيذ برامج إثرائية للطلاب المجيدين، وبرامج علاجية للطلاب المخفقين، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن خبرها ينقطع لدى الطالب فور تخرجه من المرحلة المتوسطة، إلا ما يتطرق إليه بعض معلمي المرحلة الثانوية (المتطوعين) -إذا جاز لنا التعبير- من مهارات إملائية خاطفة.
2- ومما يمكن أن يُشرك في عملية العلاج: المشرف التربوي، فهو حامل التجارب، وناقل الخبرات، يشارك في شطر من العلاج، ويمحور دوره في جوانب متعددة، منها:
(أ): كون المشرف التربوي المطلع بصورة ألصق على ما يقوم به المعلمون في مدارس متفرقة في محيط إدارته فهو -بلا شك- قد وقف على كثير من التجارب التي توجب عليه طبيعة عمله نقل ما يراه مناسباً لزملائه المعلمين من أساليب علاجية.
(ب): تنفيذ برنامج (تبادل الزيارات بين المعلمين)، ليطلعوا عن كثَب لا عن كُتب على تجارب زملائهم المعلمين مع طلابهم المستهدفين علاجياً.
(ج): إجراء قياسات خاطفة عند زيارة المعلم، للوقوف على المستوى الحقيقي لتحصيل الطلاب، فيقوم المشرف قبل الزيارة باعداد جمل إملائية محددة يستطيع من خلالها المشرف والمعلم كلاهما الوقوف على مستوى تحصيل الطلاب في مادة الإملاء، ويكلف المعلم بتصحيحها واستخراج نتائجها، وتحليلها، وحصر المهارات التي اشترك الطلاب في الإخفاق فيها، ويقوم المشرف بمشاركته في وضع البرامج العلاجية، كما يقوم بتكليف المعلم بإجراء قياسات مستمرة على غرارها لرصد مدى التحسين أو التراجع في المادة.
(د): تزويد المعلم ببعض الجمل أو الكلمات الإملائية التي تساعد المعلم على إجراء القياسات بصورة أدق وأشمل.
(هـ): عدم تغييب دور المعلم في المشاركة بالرأي أو الفكرة، واستحسان ما يطرح من تجارب أو رؤى دون مصادرة لها أو استهجان، لأنه لا يطرح إلا عن تجربة لصيقة بالطالب، فهو أقرب الأطراف المعنية بالتعليم إلى الواقع من غيره.
(و): إقامة البرامج التدريبية للمعلمين، وإطلاعهم على ما يستجد من أساليب تدريسية حديثة، أو طرق مبتكرة في الميدان التربوي، واستجلاب ما لديهم من أفكار وتجارب، فهم أصحاب الممارسة الفعلية للعملية التعليمية، سعياً إلى تطويرها، ثم نشرها بين المعلمين في الميدان.
3- مدير المدرسة: فهو المشرف المقيم، والمطلع على كل صغير أو كبير فيما يدور في محيط المدرسة، يتحمل جزءاً من العلاج، ويتمثل دوره في أمور متعددة، منها:
(أ): متابعة تنفيذ التوصيات التي اتفق المشرف التربوي مع المعلم عليها لدى زيارته له، وخصوصاً ما يتعلق بالبرامج العلاجية للطلاب الضعاف، لأن إتقانها يتوجب الوقوف على خطوات تنفيذها أولاً بأول، وذاك أمر قد يتعذر على المشرف التربوي القيام به.
(ب): يُجري بعض مديري المدارس في محافظتنا - مشكورين - قياسات مستمرة لمستوى تحصيل الطلاب في مادة الإملاء، ويقوم بإملائها، وتصحيحها، واستخراج نتائجها بنفسه، ثم يُطلع المعلم على أبرز المهارات التي أخفق فيها طلابه،
وهذا لا يزعزع الثقة بالمعلم، على العكس بل هو يقوم بدور المكمل له، وقد وقفتُ على كثير من هذه الشاكلة من المديرين، فلماذا لا يكونون قدوة لغيرهم، على الرغم من أن كثيراً من المدارس تتميز بكثرة الطلاب، ومع ذلك لم يكن عائقاً دون القيام بها.
4- المرشد الطلابي: وهو الحليف الأكبر للمعلم، فكما هو مَغْنِي بالجوانب السلوكية، فكذلك هو معني بالجوانب التحصيلية، تُدار من جانبه عصا رحى البرامج العلاجية ليمسك بها، مشاركاً المعلمين في حصر الطلاب الضعاف، ووضع الخطط للعلاج، وعليه أن يقوم باستدعاء الطلاب المخفقين للوقوف بسرية على أسباب الضعف، ويستدعي أولياء أمورهم، بغية الاتفاق على طرق كفيلة بأن تقضى على تلك الظاهرة، والكشف عما إذا كان بمقدورهم مساعدة المدرسة في إكمال مسيرة العلاج في المنزل.
5 - أما المعلم: فهو عماد الأمر، وعليه يقوم التدريس، فله منا في مدرسته الدعاء بظهر الغيب، وقد أشار إلى كثير من أدواره الأستاذ: راشد الشعلان، وشاركه في ذلك الأستاذ: حمدين الشحات محمد، ولا أرى مزيداً على ما قالا فلهما مني جزيل الشكر على أن أظهرا ما كان مكنوناً لدي، إذ كنت أتحين الفرصة لي أن تسنح، وها هي، والله ولي التوفيق، ومنه العون والتسديد.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عبدالله بن خليفة السويكت
رئيس شعبة اللغة العربية في إدارة التربية والتعليم في محافظة الزلفي (بنين) |