لكل مجتمع من المجتمعات نشاط متميز يترك أثراً في بناء المجتمع وتقدمه علمياً أو حضارياً أو اقتصادياً، وهذا أمر ضروري لا يستغني عنه مجتمع من المجتمعات، خاصة المجتمع المتحضر الواعي لقضاياه والمهتم بشؤون أفراده.وبين كل حين وآخر نسمع عدداً من الاهتمامات لمجتمعنا المعاصر وكلها اهتمامات إيجابية في الجملة، وفي الزمن القريب بات الناس في سعي حثيث وراء ظاهرة اقتصادية وتنافس منقطع النظير في مجال استثمار الأموال بطرق متعددة.
ولعل أهمها وأكثرها انتشاراً ورواجاً في الأسواق بيع وشراء الأسهم التجارية والعقارية والاكتتاب في عدد من الشركات المساهمة التي دخلت ميدان التنافس في نسبة الأرباح لكسب أكبر عدد من المساهمين.
وحيث إن حب المال مما فطر عليه البشر أخذ الناس في تنافس مستمر وتدافع على امتلاك أكبر عدد ممكن من الأسهم وصرفوا في سبيل ذلك جهدهم ووقتهم ومالهم إن لم يكونوا قد فوتوا على أنفسهم ما هو أهم من ذلك وأعظم نفعاً خاصة في موسم الخير والبركة شهر رمضان المبارك الذي شهد أضخم سوق للأسهم شهده المجتمع في السنوات الأخيرة، حتى أخذ الناس يصولون ويجولون أمام أبواب البنوك في تلك الليالي المباركة والمآذن من حولهم تلهج بذكر الله.
هذا الحرص الشديد والتسابق الفريد في هذا النوع من المتاجرة استحوذ على وقت وفكر الكثير من المساهمين حتى أصبح هو حديث الساعة وفاكهة المجالس بل إن الخوض في المتاجرة ببيع وشراء الأسهم أمام شاشات الكمبيوتر قد أفقد بعض المساهمين صوابهم حين توالت عليهم الهزيمة وعضوا أصابع الندم لما مُنوا به من الخسارة الفادحة، وهذه طبيعة المتاجرة:
يومٌ لك ويومٌ عليك، إلا أن واقع الكثير ممن خاضوا هذه المتاجرة دون سابق خبرة أخذوا على أنفسهم عهداً بعدم العودة إليها والبحث من نوع آخر أكثر أماناً.نعم إن الطمع والجشع الذي ذهب بعقول أولئك وأمثالهم عمى بصائرهم وخدعوا بغيرهم من أصحاب رؤوس الأموال الذين يملكون نصيب الأسد من تلك الأسهم.
أخي المواطن: ليس عيباً أن تتاجر بمالك، فقد حث الإسلام على طلب الرزق والسعي في تحصيله، وإنما العيب في المجازفة وتقليد الآخرين دون تروٍّ، فقد لعبت الإعلانات التجارية دورها في استنزاف أموال الناس مع العلم بأن ليس كلُّ ما يُقال مسلماً به، فإن الإعلان التجاري بُني على الإغراء والمبالغة فلا تنخدع بتلك النسب المبنية على الحدث والتخمين، ولا سيما أن الخوض في مجال الأسهم يختلف عن غيره من ضروب التجارة، فإن الإقدام على المساهمة في شركة (ما) منوط بعدد من الضوابط والشروط حتى تضمن سلامة وحل هذه المساهمة من الناحية الشرعية.
أقول هذا الكلام في وقت أخذ التنافس في الأسهم يزداد حتى طغى على غيره واستغلت فيه حاجة الناس وقلة خبرتهم وعلمهم بأحكام المتاجرة بالأسهم والوقت الذي يجوز فيه بيعها وتداولها:
{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(*)وكيل المعهد العالي للقضاء |