تأتي تجربة الانتخابات في المملكة لتؤكد الرغبة الصادقة نحو تحقيق مشاركة وطنية فاعلة في صنع القرار البلدي الذي يلامس بشكل مباشر احتياج المواطن ومتطلبات التنمية، كما تأتي هذه الانتخابات لتبرز مستوى وعي وثقافة المواطن الاصلاحي الذي يسعى الى تحقيق ما هو أصلح لمجتمعه ووطنه بغض النظر عن كل الاعتبارات الجانبية الأخرى.. ومن هذا المنطلق فإن هذا العام الذي يشهد اجراء الانتخابات يمثل نقطة تحول بارزة في مسيرة الأداء الوطني والمسؤولية الوطنية لكل مواطن واختباراً حقيقياً لمصداقيتنا جميعاً تجاه النداءات المثالية التي عادة ما نتبناها في مجالسنا الخاصة وما تحتويه من سيوف النقد المسلطة في الغالب على رقاب العاملين في ميدان العمل الحكومي.. فعلى الرغم من كون الانتخابات في هذا العام تقتصر على عضوية المجالس البلدية، إلا أنها تعتبر الخطوة الاولى التي قد تمتد الى خطوات مقبلة متى ما نجح المواطن في اثبات وطنيته من خلال حسن اختياره لممثليه في هذه المجالس القائم فقط على المصلحة الوطنية البعيد جداً عن الموروثات الاقليمية والقبلية التي لا تتناسب وثقافة الانتخابات ولا تتوافق مع مصالح المجتمع وطموحات المواطن.. صحيح أن هذا المجتمع لا يمتلك ثقافة الاختيار الحر حتى تاريخه، وصحيح أنه لا يزال وبدرجات متفاوتة يعاني من التأثيرات الجانبية السلبية للموروث القبلي، وصحيح ان هذه التجربة لم يسبقها حملة توعوية مكثفة لتنمية الحس الانتخابي المبني على الشعور الوطني دون غيره من الأحاسيس والمشاعر المضادة، ولتبصير المواطن بالصلاحيات والأدوار التنموية المنتظرة، إلا أن تربيتنا الاسلامية والوطنية كفيلة بأن تجعل من تجربتنا الانتخابية مثالاً يحتذى متى ما حضر الشعور والاتزان والمنطق السعودي الذي هذب الكثير من الموروثات غير الشرعية ووجه نمط التفكير الجماعي تجاه الوطن والوطن فقط.. ولكن لابد لنا أن نحذر ونحن نخوض تجربتنا الأولى من بعض التصرفات الفردية التي قد تجد لها مكانا في أوساط بعض المجتمعات مما قد يحول الانتخابات الى حالة من الاثارة المجتمعية التي اندثرت مسبباتها في الماضي ويتسبب في فشل أو على الأقل عدم تميز هذه التجربة الوطنية، ولابد أن نعي بأن مهمتنا في الوقت الحاضر لا تقتصر فقط على التأكيد من تنفيذ الانتخابات وفق الضوابط المحددة ولكنه قطعا تتجاوز ذلك الى رصد كل مكونات التجربة ودراسة عناصرها المختلفة بهدف التعرف على الايجابيات والسلبيات لتكون رافدا مهما للتجارب الانتخابية اللاحقة.. بعبارة أخرى، لابد أن يكون لمراكز البحوث العلمية دور بارز في مجال رصد التجربة ودراسة بيئتها الادارية والاجرائية والتنظيمية حتى يمكن الاستفادة منها في تطوير تجاربنا المقبلة بإذن الله وحتى لا تنتهي التجربة بمجرد اعلان النتائج وتحديد الفائزين.. فهل يتحقق ذلك؟.. الله أعلم.
|