{... وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} صدق الله العظيم.. ما تلوت هذه الآية الكريمة فقط، إلا وتحضرني صورة أستاذنا الفاضل الوقور الشيخ عمر توفيق - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - كنا أربعة نسمع عليه بالتناوب، وعندما وصل أحدنا إلى هذه الآية، أشار رحمه الله بيده: أن كفى وأمرنا أن ننصرف ونقفل الباب خلفنا.. وأخذ يشهق بالبكاء, ونحن وقوف بالخارج، حتى أشفقنا عليه.
وبذلك تعلمنا منه - رحمه الله - الدرس الروحي رقم (1) وكان نقلة لنا من الببغائية إلى التبصّر والتدبر, ليت شعري هل يذكر الزملاء ذلك، ومنهم الحبيب عبد الرحيم مبارك عويضة، إن لم تخن الذاكرة.
وأذكر مرة بعد صلاة العصر، كنا كالعادة نسمع عليه القرآن، فدخل علينا رجل مسن من أهل الخير، ومن طلبة الشيخ القدامى، ووضع أمامنا تبسياً نحاسياً مليئاً بقطع السلالي الساخن.. سال لعابنا، وكثرت غلطاتنا، فتمهلنا رحمه الله.. وأظنه أسر إلى الرجل بشيء.. ثم قال لنا: هيا كلوا.. فأكلنا السلالي اللذيذ الساخن المملح بنهم زائد (ما يحتاج)!! وعندما انتهينا، أخذنا نستبق إلى الزير.. ولكنا فوجئنا بأن المغراف النحاسي غير موجود في مكانه على الغطاء.. خيل إلينا وقتها أننا سنموت من الظمأ.
فتبسَّم - رحمه الله - وأمرنا بالاستمرار في القراءة.. بلطفه المعهود وبعد هنيهة وجدنا أنفسنا وقد زال الظمأ منا تماماً.. فعجبنا من ذلك؟!
واستنتجنا أنه أمر الرجل إياه بإخفاء المغراف.. حرصاً على صحتنا.. - رحمه الله -.. لم أر أنقى، ولا أنظف من ذلك الرجل مع بساطة ملبسه.
اللهم ارحم شيخنا عمر توفيق وأسكنه فسيح جناتك، وطول اللهم وبارك في عمر شيخنا الهاشمي السيد أسعد الحسيني الذي أوقف هو الآخر حياته للقرآن.. وتخلَّق به.. نعم العبد.
وبعد، هل لي أن أسال ابن شيخنا البار الأديب معالي وزير المواصلات الأستاذ محمد عمر توفيق عن الكتيِّب الذي وضعه شيخنا في التجويد..؟
إنه حري بإعادة طبعه.. واحتساب ذلك في الله.
|