* الجزيرة - التحقيقات:
يجد ذوو الاحتياجات الخاصة في المملكة رعاية واهتماماً بالغين بتوجيهات من ولاة الأمر، كما أن المجتمع بكافة شرائحه وفئاته وبما جُبل عليه من حب التكافل الاجتماعي وما تربى عليه إسلامياً من العطف على الضرير والمعاق والمحتاج للرعاية كان مبادراً بجهوده التي تتكاتف مع جهود الدولة في هذا الاتجاه، حتى أصبحت المملكة في مقدمة الدول التي تمتلك منشآت ومؤسسات للعناية بهذه الفئة الغالية علينا.
وفي دراسة أعدها الدكتور عبدالله بن سعد الحسين المتخصص في هذا المجال يحدثنا عن مضمون دراسته فيما يلي عن تقنين مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي على البيئة السعودية وتعريبه ليلائم الدراسات والبحوث الجارية على النطاق المحلي لخدمة هذه الفئة مع مراعاة الأصول العلمية المرعية في هذا الشأن، فإلى الدراسة ونتائجها.
****
فقد شهدت ساحة التربية الخاصة في المملكة العربية السعودية تطوراً كبيراً في الخدمات المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة بصفة عامة والمتخلفين عقلياً بصفة خاصة، وأصبحت المملكة على حد تعبير (الموسى، 1999) قبلة في هذا المجال حيث وضعت وزارة التربية والتعليم ممثلة في الأمانة العامة للتربية الخاصة استراتيجية للتربية الخاصة بالوزارة ترتكز على عشرة محاور، نص المحور الأول منها على تفعيل دور المدارس العادية في مجال تربية وتعليم الأطفال غير العاديين.
وتحقيقاً لأهداف هذه الاستراتيجية فقد تبنت الأمانة العامة للتربية الخاصة عدداً من المشروعات الطموحة، يأتي في مقدمتها مشروع التوسع في تطبيق أسلوب دمج الأطفال ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة في مدارس التعليم العام، ويشير (الموسى، 2004) إلى أن أسلوب الدمج أحدث نقلة كمية ونوعية هائلة في مجال تربية وتعليم الأطفال ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة في المملكة.
فمن حيث التطور الكمي ارتفع عدد معاهد وبرامج التربية الخاصة من 66 معهداً وبرنامجاً عام 1415-1416 إلى (1560) معهداً وبرنامجاً للبنين والبنات عام 1424-1425 وتبلغ حصة معاهد وبرامج المتخلفين عقليا (التربية الفكرية) 417 معهداً وبرنامجاً، كما ارتفع عدد طلاب وطالبات التربية الخاصة من (7725) طالباً وطالبة في العام الدراسي 1415- 1416 إلى (34597) طالباً وطالبة في العام الدراسي 1423-1424 منهم (10041) طالباً وطالبة من المتخلفين عقلياً.
وقد أدى هذا التطور الكمي والنوعي إلى بروز الحاجة الماسة إلى أدوات القياس والتشخيص المناسبة للتلاميد المتخلفين عقلياً وخاصة في البعد الاجتماعي بهدف تحديد المكان التربوي المناسب وتقديم الخدمات التربوية أو التأهيلية لهم، خاصة وأن الميدان يعتمد أكثر على مقاييس الذكاء التي وجهت إليها الكثير من الانتقادات في قياس وتشخيص التخلف العقلي، ونتيجة لتبني مفهوم السلوك التكيفي في تعريف التخلف العقلي.
وتؤكد نتائج بعض الدراسات وجود قصور في عملية تشخيص المتخلفين عقلياً في المملكة فقد توصل (القريوتي والسرطاوي، 1988) بعد دراستهما لواقع التقييم بمعاهد التربية الخاصة بالمملكة إلى عدم وجود مقاييس مقننة على البيئة السعودية، الأمر الذي يقلل من سلامة نتائج عملية التقييم لاتخاذ قرارات تشخيصية وتربوية مناسبة.
كما توصل (الوابلي، 2003) في نفس السياق إلى (أن برامج التخلف العقلي بالمملكة بحاجة إلى إجراءات علمية دقيقة تكون موجهة لتحديد مدى أهلية التلاميذ لخدمات التربية الخاصة، بالإضافة إلى معرفة طبيعة احتياجاتهم الفردية الخاصة بهم، كما أكد ضمن توصيات دراسته (أن تستند عملية التعرف على محكات الذكاء والسلوك التكيفي معاً بالإضافة إلى محكات أخرى كالقدرة التحصيلية، لكي يسترشد بها العاملون في دعم وتأكيد القرارات الصادرة بخصوص مدى أهلية التلميذ لخدمات التربية الخاصة في مجال التخلف العقلي) (ص233،232).
مقياس السلوك التكيفي
ويكتشف المتتبع لعملية التقييم المتبعة في تشخيص الأطفال المتخلفين عقلياً بالمملكة أنها لا تتسق مع الاتجاه التكاملي، حيث ينصب الاهتمام على الجانب العقلي دون الجوانب الأخرى وأهمها الجانب الاجتماعي رغم مناداة الاختصاصيين بأهمية تضمين الجانب الاجتماعي المتمثل في السلوك التكيفي في عملية القياس والتشخيص.
ولعل هذا مما دفع الباحث إلى اختيار (مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي - الصورة المدرسية - الجزء الأول)، ومحاولة تقنينه على البيئة السعودية كي يساعد في تلافي جوانب القصور التي تكتنف عملية تشخيص المتخلفين عقلياً في المملكة.
وتتلخص مشكلة الدراسة في أن الإجراءات الخاصة بعملية تقييم المتخلفين عقلياً في المملكة العربية السعودية لم تواكب التطورات العالمية في مجال القياس والتشخيص، حيث مازال يتم تشخيصهم من خلال نتائج مقاييس الذكاء رغم مناداة أصحاب الاتجاهات الحديثة في هذا المجال باستخدام أكثر من بعد في عملية التشخيص، حيث يؤكد الاتجاه التكاملي في تقييم المتخلفين عقلياً على أهمية اتخاذ البعد الاجتماعي كأحد الأبعاد الأساسية بجانب البعد العقلي في تقييم الأطفال المتخلفين عقلياً. وقد ظهر هذا الاتجاه التكاملي نتيجة للانتقادات التي وجهت إلى أساليب القياس النفسي التي تركز على الجانب العقلي في تعريف التخلف العقلي، ومن هنا فإن الباحث يشعر بأهمية أن تكون هنالك أداة مثل مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي، يمكن بواسطتها تشخيص الأطفال المتخلفين عقلياً في المجتمع السعودي، ولهذا يرى الباحث أهمية تقنين مقياس الجمعية الأمريكية للتخلف العقلي للمبررات التالية:
- عدم توفر مقياس في مجال قياس وتشخيص بعد السلوك التكيفي على البيئة السعودية.
- حاجة معاهد وبرامج التربية الخاصة ومراكز تأهيل المعوقين في المملكة العربية السعودية إلى مقياس لقياس وتشخيص بعد السلوك التكيفي يتوفر فيه دلالات صدق وثبات مقبولة.
- كون مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي من أكثر مقاييس السلوك التكيفي شهرة وشيوعاً وقبولاً في أوساط العاملين في مجال التخلف العقلي.
- سهولة إجراءات تطبيق وتصحيح المقياس مقارنة مع مقاييس السلوك التكيفي الأخرى.
- اعتماد الصور المعربة من مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي على نسخ قديمة. فعلى سبيل المثال اعتمدت الصورة المصرية على نسخة 1973، بينما اعتمدت كل من الصورتين الأردنية والبحرينية على نسخة 1981، ولهذا رأى الباحث الحالي الاعتماد على نسخة 1993م لكونها مراجعة وتنقيحاً للنسخ السابقة من المقياس الأصلي. إضافة لذلك فإن للمجتمع السعودي خصوصيته الثقافية، الأمر الذي يستوجب تقنين صورة تتسق مع معطيات هذه الثقافة.
تعريب مقياس السلوك
وتهدف الدراسة الحالية بوجه عام إلى تعريب مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي (الصورة المدرسية - الجزء الأول) AAMR ABS-S:2 وتقنينه على البيئة السعودية: من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات تتمثل في استخراج معاملات الصدق والثبات والمعايير التي يتم في ضوئها قراءة مستويات الأطفال المتخلفين عقلياً في مهارات السلوك التكيفي. وتكمن أهمية الدراسة الحالية في أهمية الجانب الذي تتصدى لدراسته، إذ تحاول توفير صورة سعودية من مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي، وخاصة في ظل عدم وجود أداة مناسبة لقياس السلوك التكيفي في المملكة تتوفر فيها دلالات صدق وثبات ومعايير مناسبة يمكن استخدامها لقياس وتشخيص المتخلفين عقلياً.
وقد أدى غياب مثل هذه الأدوات في المملكة إلى عدم جدوى برامج رعاية المتخلفين عقلياً في معظم الأحوال، بسبب المعوقات التي تتصل بجوانب القصور في بعد السلوك التكيفي لدى المتخلفين عقلياً التي يصعب الكشف عنها بدون أداة ذات صدق وثبات ومعايير مناسبة.
وقد وضع الباحث عدداً من التساؤلات بهدف التحقق منها تتلخص فيما يلي:
- هل تؤدي عملية تقنين مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي (الجزء الأول) على البيئة السعودية إلى دلالات صدق مقبولة؟
- هل تؤدي عملية تقنين مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي (الجزء الأول) على البيئة السعودية إلى القدرة على التمييز بين العاديين والمتخلفين عقلياً؟
- هل تؤدي عملية تقنين مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي (الجزء الأول) على البيئة السعودية إلى دلالات ثبات مقبولة؟
- هل تؤدي عملية تقنين مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي (الجزء الأول) على البيئة السعودية إلى معايير مناسبة يمكن استخدامها لتشخيص المتخلفين عقلياً؟
الإطار النظري
وقد استعرض الباحث في الفصل الثاني من الدراسة تحت عنوان (الإطار النظري) جوانب مهمة ذات علاقة مباشرة بموضوع الدراسة باعتبارها أسساً وثوابت تنطلق منها الدراسة، ألا وهي مفهوم التخلف العقلي، حيث يورد الباحث تطوراً تاريخياً لتعريف التخلف العقلي، ثم مفهوم السلوك التكيفي من وجهة نظر التربية الخاصة، إذ يستعرض الباحث بداية ظهور هذا المفهوم والتعريفات التي ظهرت للسلوك التكيفي، وصولاً إلى التعريف الذي تبنته الجمعية الأمريكية للتخلف العقلي، بعد ذلك يأتي دور جانب مهم ترتكز عليه هذه الدراسة ألا وهو العلاقة بين الذكاء والسلوك التكيفي، التي أكد عليها تعريف التخلف العقلي الذي تبنته الجمعية الأمريكية للتخلف العقلي؛ وأخيراً يورد الباحث عدداً من الموضوعات الأخرى ذات العلاقة تتطرق إلى كيفية قياس السلوك التكيفي، وخطوات تقنين مقاييس السلوك التكيفي.
الصورة السعودية
وبهدف إعداد الصورة السعودية من المقياس قام الباحث وفور اختياره لمقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي بأخذ موافقة الناشر (Pro- Ed,Inc.) على تعريب المقياس، تلا ذلك ترجمة المقياس من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية واختيار الصيغة التي تعكس المعنى المقصود لكل عبارة كما وردت في النسخة الأصلية دون التدخل أو التصرف ضماناً لإعطاء المحكمين صورة مطابقة لما ورد في تعليمات وبنود المقياس، ثم قام الباحث بعرض الصورة السعودية المترجمة على (35) محكماً تم تقسيمهم على مجموعتين، بحيث قام خمسة منهم من حملة الدكتوراه في التربية الخاصة وعلم النفس بالحكم على سلامة الترجمة، بينما قام بقية المحكمين وعددهم (30) محكماً نصفهم من حملة الدكتوراه في التربية الخاصة وعلم النفس والنصف الآخر من الأخصائيين النفسيين ومعلمي التربية الخاصة، بالحكم على مدى وضوح عبارات المقياس، مدى ملاءمة العبارات للبعد الذي تنتمي إليه، ومدى ملاءمة العبارات للبيئة المحلية، بعد ذلك قام الباحث بتفريغ نتائج التحكيم في بيانات للتعرف على تكرار استجابات المحكمين، ومراجعة وإعادة صياغة الفقرات التي حصلت على نسبة إيجابية أقل من 60% تبعاً لنوعية التحكيم.
النتائج بالتحقق
وفي الفصل الخامس قام الباحث بعرض النتائج ومناقشتها من خلال التحقق من تساؤلات الدراسة.
وحتى يتمكن الباحث من حساب الصدق والثبات على عينة التقنين التي اشتملت على الجنسين (ذكوراً وإناثاً) كان لزاماً عليه التحقق من التجانس بين الجنسين قبل البدء في عملية حساب الصدق والثبات من الجنسين كعينة واحدة، حيث تم التحقق من التجانس بين الجنسين عن طريق اختبار (ت) T.Test لدراسة الفروق بين متوسطات الجنسين في جميع المجالات والدرجة الكلية للمقياس، واتضح عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين متوسطات الذكور والإناث في جميع المجالات والدرجة الكلية للصورة السعودية من المقياس، حيث كانت قيمة (ت) مابين 0.3-1.2 وكانت غير دالة.
وقد تحقق الباحث من صدق وثبات الصورة السعودية وذلك باستخدام أنواع متعددة من الصدق والثبات، والتي تمثلت فيما يلي:
أولاً: صدق المقياس:
تم التحقق من صدق المقياس بثلاث طرق هي: صدق المحكمين (الصدق الظاهري)، والصدق عن طريق الاتساق الداخلي للمقياس، والصدق التمييزي. واتضح من نتائج حساب الصدق عن طريق الاتساق الداخلي على عينة عشوائية من عينة الدراسة حجمها (54) فرداً من مختلف مناطق المملكة الخمس موزعة بالتساوي بين الذكور والإناث، وفئات العينة (عاديين، تخلف عقلي بسيط ومتوسط، وتخلف عقلي شديد وشديد جدا)، أن معاملات الارتباط بين درجة كل مجال والدرجة الكلية للمقياس تراوحت ما بين 0.76- 0.99 وكانت دالة إحصائياً عند مستوى (0.01). كما اتضح قدرة المقياس على التمييز عن طريق دراسة الفروق بين متوسطات المجموعات الثلاث (العاديين، التخلف العقلي البسيط والمتوسط، والتخلف العقلي الشديد والشديد جداً) في جميع المجالات والدرجة الكلية من الصورة السعودية من المقياس وذلك باستخدام تحليل التباين في اتجاه واحد (One way Anova) حيث كانت قيمة (ف) 0.81، مما يعني أن للمقياس قدرة مقبولة على التمييز بين المجموعات الثلاث.
ثانياً: - ثبات المقياس:
تم حساب التباين بطريقتي إعادة الاختبار، وثبات الفاحص (المقيمين) على عينة من (30) فرداً موزعة بالتساوي بين الذكور والإناث، وفئات العينة (عاديين، تخلف عقلي بسيط ومتوسط، وتخلف عقلي شديد وشديد جداً) وتراوحت معاملات الارتباط لثبات الفاحص مابين 0.99-1.0، كما تراوحت معاملات الارتباط لإعادة الاختبار من فاحص ثان مابين 0.99-1.0 وكانت مقبولة ودالة إحصائياً عند مستوى (0.01). وبهدف توفير المعايير المناسبة فقد قام الباحث بتوفير الدرجات المعيارية المعدلة (التائية) لكونها تعتبر أكثر دقة في عملية المسح والتعرف، كما تم توفير معادلة الدرجات الخام لكل مجال وعامل وما يناظرها في العمر المكافئ (العمر العقلي).
ومما سبق يتضح أن الصورة السعودية تتمتع بدلالات صدق وثبات مقبولة ومعايير مناسبة تجعل منها أداة ملائمة للاستخدام في تشخيص المتخلفين عقلياً.
وفي ختام هذه الدراسة خرج الباحث ببعض التوصيات والمقترحات التي ستساهم -بإذن الله- في توظيف النتائج التي أسفرت عنها الدراسة ووضعها موضع التنفيذ العلمي، وهي كالتالي:
- اعتماد وزارة التربية والتعليم، ووزارة الشؤون الاجتماعية الصورة السعودية من مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي (الجزء الأول) لقياس وتشخيص حالات التخلف العقلي، وطلب نشرها وتوفيرها للأخصائيين النفسيين، والمهنيين القائمين على عملية القياس والتشخيص.
- التأكيد على البعد الاجتماعي بجانب بعد القدرات العقلية عند تشخيص حالات التخلف العقلي.
- الأخذ في الاعتبار جوانب القصور في بعد السلوك التكيفي عند إعداد البرامج التربوية الفردية، الخاصة بإكساب التلاميذ المتخلفين عقلياً مهارات السلوك التكيفي.
وبجانب هذه التوصيات يقدم الباحث المقترحات التالية:
- أهمية تقنين الجزء الثاني من مقياس السلوك التكيفي للجمعية الأمريكية للتخلف العقلي- والخاص بالاضطرابات السلوكية والانفعالية- على البيئة السعودية.
- إعداد معايير مستقلة لكل فئة من فئات التخلف العقلي (التخلف العقلي البسيط، التخلف العقلي المتوسط، التخلف العقلي الشديد، والتخلف العقلي الشديد جداً) كل على حدة.
|