الأيام تمضي، وعادات الناس تتغير بتغير الزمان، كان أجدادنا ينامون باكراً ليستيقظوا باكراً، وتبدأ رحلة اليوم الجميلة، من تحضير العجين لصنع الخبز، وغسل الملابس بالأيدي، وتحضير اللبن (الزبادي) من الحليب، تنظيف البيوت والخيام وترتيبها، الرجال يذهبون لرعاية الإبل والأبقار والأغنام، جمع الحطب لإشعاله، وتحضير الطعام وخبز العجين وغيره، ومنهم من يذهب للتجارة لإحضار ما يحتاجه الناس لأمور دنياهم.
كان العمل العضلي هو الأساس في الحياة، تبدلت الأيام، وأصبح العمل الفكري هو الأهم خاصة بعد توفر الأدوات الكهربائية، وصح قول القائل: إن عصرنا هو عصر الكهرباء، فجهاز الرائي (التلفزيون) يمكن التحكم به عن بعد، وكذا باقي الأدوات والآلات،
معلوم للجميع بأنه لابد لأي شيء حتى يسير بشكل صحيح من مكابح تكبح سرعته إن زادت عن الحد المعقول، وأمر الإنسان كذلك لا بد له من كوابح تعدل حياته، فوجب لذلك ألا نخلد إلى الراحة التامة فإن نهايتها المرض واختلال وظائف الجسم ، ولابد من إيجاد وسائل للمحافظة على اللياقة البدنية سواء بالرياضة أو غيرها، والأفضل من هذا وذاك أن يقوم المرء بنفسه بإدارة شؤون حياته فيكسب الصحة والعافية والأجر من الله تعالى، ويوفر أموالاً كثيرة تهدر هنا وهناك، يتمتع بحياة طيبة هنيئة لا تعكرها الأمراض كأمراض المفاصل والقلب والسمنة والضغط والسكر وحصوات الكلى والإمساك والشيخوخة المبكرة وغيرها، وكل ما ذكرت ينتج عندما يعتمد الإنسان في شؤون حياته على خادمة في منزله، وليس الأمر ينتهي بمرض الجسد فقط، ولكن قد يصل أحياناً بالعائلة إلى أمور لا تحمد عقباها، وكل ذلك بسبب الخادمة.
وليكن الحمل والولادة مثالاً على ذلك، فبيت فيه خادمة يُعتمدُ عليها بشكل كامل يريح صاحبة المنزل من العمل فيسبب لها السمنة ولجنينها التضخم إضافة لرخاوة عضلات الجسم، وجهل كثير من الفتيات بثقافة الطفل سببه الاعتماد على الخادمة، فإذا ما حانت لحظة الولادة لم تستطع هذه الأم المسكينة بعضلات بطنها الرخوة أن تساعد الرحم في تقلصات الولادة إضافة إلى ضخامة الجنين لكثرة الغذاء وقلة الحركة فلا يستطيع هذا الجنين أن يمرعبر مجرى الولادة وعندها سيكون العمل الجراحي ( القيصرية) هو الحل الأمثل، وإن قُدر خروج المولود بالطريق الطبيعي، فكثيراً ما يتعرض المواليد ذوي الوزن الزائد إلى رضوض الولادة، وكسور العظام أو شلل في أحد ذراعيه (شلل إرب)، أو نقص في الأكسجين، عدا عن مشاكل ضخامة القلب، ونوب نقص السكر بعد الولادة، حقاً إنه مسكين هو الآخر، عرفنا كل ذلك بالعلم والتجربة والواقع الذي تعيشه معظم الأمهات في هذا الزمان، فكان لابد من الولادة في المستشفى لتيسر العملية القيصرية، وإنعاش المولود مباشرة لحظة خروجه بشفط المفرزات، وإعطاء الأكسجين، ومساعدة القلب والتنفس الصناعي إن لم يبدأ التنفس مباشرة، وغيرها من أدوية مقوية للقلب وضغط الدم والمضادات لمكافحة الالتهابات.
اتفق الجميع على أن الوقاية خير من العلاج، فكان لا بد من تصحيح حاضرنا وما نحن فيه، لتسلم الأمهات فيسلم المواليد.نريد بناتنا أمهات بكل ما تعنيه الكلمة من معنى (أم)، نريدها نشيطة بصحة جيدة ذات لياقة بدنية ممتازة بدون بدانة وبدون نحول، تنجز عملها بيديها، وكيف لا والنبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- كان يعمل بيديه وقلما يعتمد على غيره، نريدها أماً تعرف رعاية مولودها وإرضاعه ونظافته وأحواله كلها، هكذا كانت أمهاتنا ونريد بناتنا كذلك أحب ما لدينا أن تحضر الأم للولادة في تمام حملها وتمام صحتها، تنعم بولادة طبيعية ميسرة، بمولود سليم البنية صحيح العافية، وتعود لبيتها بأسرع ما يمكن لتزيد الفرحة في بيتها ويعم الإنس والله هو الموفق لكل ذلك.
( * )طبيب المواليد بمستشفى الحمادي بالرياض |