استعرضنا في الجزء الأول (الكتابة على الجدران) كأحد السلوكيات الخاطئة المؤثرة على البيئة والفكر والسلوك الحضاري .. ومن خلال هذا الجزء سوف نستعرض سلوكاً آخر خاطئا وبدرجة كبيرة من الضرر على مستوى المساعي المنشودة للارتقاء بالوعي الحضاري للدرجة التي تعكس ثقافة الأمة .. ويتمثل هذا السلوك بترك مخلفات البناء والترميم والصيانة في المرافق العامة أو الأراضي الفضاء المجاورة .. ويعتبر هذا السلوك من أخطر السلوكيات التي تعصف بجهود البلدية وتحول دون التركيز على النظافة العامة وأعمال التحسين والتجميل .. وعلى الرغم من تبليغ البلدية بالتعليمات واللوائح المنضمة لمثل هذه السلوكيات والتي منها المادة رقم (4 - 16) من اللائحة رقم (218) في 6-8-1422هـ والصادرة بقرار مجلس الوزراء والمتضمنة (عدم ترك مخلفات البناء في أراضي الغير والأماكن العامة) ومن يتجاوز ذلك تطب عليه الغرامة بحد أقصى 3000 يال مع نقل المخلفات على نفقة المخالف، مع جواز حجز وسيلة النقل لمدة أسبوع .. ومع وجود هذه الفقرة ضمن لائحة الغرامات والجزاءات عن المخالفات البلدية إلا أنها لم تحل مشكلة تراكم مخلفات البناء في الأراضي الفضاء بحجة أن المبنى لا يزال تحت الإنشاء والمخلفات الحالية لا تعني نهاية البناء وبالتالي اعتبار ما تم إخراجه هو كل مخلفات المبنى، وهذا ما يتحجج به المواطن وينادي بأن تكون الإزالة بعد أخراج جميع مخلفات المبنى .. وهذا أحد معوقات اتخاذ قرار بإزالة المخلفات دون انتظار لمدة معينة، حيث إن الطريقة التقليدية لدى البلدية بإلزام المواطن بإزالة مخلفات المبنى مربوطة بإيصال التيار الكهربائي حيث لا يمكن إيصال التيار الكهربائي من قِبل شركة الكهرباء إلا بعد الحصول على شهادة نظافة من البلدية حيث توحي بعدم وجود مخلفات أمام المبنى .. وتعتبر هذه غير مجدية لكون بعض المباني تتوقف لسنوات طويلة قبل توصيل التيار الكهربائي مما يعني بقاء تلك المخلفات في الأماكن الفضاء لسنوات عديدة وبالتالي تكون فرصة مواتية لزيادتها من قبل المباني المجاورة تحت الإنشاء والمباني المراد ترميمها ومع الوقت تكون المخلفات الصغيرة تلالاً من الأنقاض والمخلفات ومعها يضيع تحديد مسئولية المتسبب ورفض من يلزم بالإزالة لكون المخلفات ليست كلها تابعة له.. ولعدم جدوى تلك الطريقة فقد كانت أولى المبادرات بالمنطقة من قِبل بلدية محافظة المذنب حيث قامت البلدية بالرفع لسعادة المدير العام بهدف إلزام أصحاب المباني تحت الإنشاء بإزالة المخلفات أولا بأول دون الانتظار لتراكم المخلفات وربط الإزالة بتوصيل التيار الكهربائي .. ولتأييد ذلك التوجه من قِبل سعادة المدير العام تم الرفع لمقام إمارة المنطقة بالموافقة على إلزام أصحاب المباني تحت الإنشاء بإزالة المخلفات أولا بأول قبل تفاقم تراكمها .. وبارك أمير المنطقة هذا التوجه وتم التعميم على البلديات بالتمشي بتوجيه أمير المنطقة بأن تتم إزالة المخلفات أولا بأول من قبل المواطن .. وكان هذا التوجيه بمثابة المنقذ للبلديات من المشكلة الأزلية بتفاقم مخلفات البناء .. لكن لم تكن بالشكل المتكامل لعدة أسباب ومنها:
1 - عدم كفاية المراقبين لمسح المنطقة لمتابعة أعمال البناء وإلزام المواطنين بنقل مخلفاتهم أولا بأول.
2 - عدم جدية المراقب في أداء عمله ومتابعة المواقع التي تكثر فيها مخلفات البناء.
3 - توسع المدينة وعدم التمكن من فرض الرقابة اللازمة على مخلفات المباني بوجود العدد المحدد من المراقبين.
4 - الطفرة العمرانية الملحوظة ساهمت في تفاقم مشكلة مخلفات المباني وصعوبة السيطرة عليها في ظل ضعف الأنظمة والخوف من ردود الفعل في تطبيقها.
5 - قيام بعض المواطنين بأعمال ترميمات بدون رخصة وإخراج المخلفات في فترة غياب المراقب (الإجازات، نهاية الأسبوع، خارج الدوام) ووضع المخلفات في أقرب أرض فضاء، عندها يصعب تحديد المتسبب بها.
6 - غياب الإحساس بالمسئولية من قِبل المواطن وعدم استشعار المواطنة.
وتبقى مشكلة مخلفات المباني معضلة كبرى ما لم تجند لها الطاقات وتوجد لها الآلية المناسبة للسيطرة عليها ووأدها في مهدها .. فإن تركها لفترة طويلة سوف يؤدي بالبلدية للانصراف عن مهامها الأساسية والتفرغ لنقل تلك المخلفات بسبب عدم نقلها في حينها من قِبل من تتبع له .. حيث إنه في كثير من الأحيان يكون المبنى المستثمر وبعد اكتماله ببيع المنزل ويرفض المشتري طلب البلدية إزالة المخلفات كونه لم يتسبب بها .. والمشكلة التي تعاني منها البلديات وتكابدها كل الجهات المسئولة عن المرافق العامة ليست شكوى عابرة وإنما معضلة كبرى تستند إلى حقيقة راسخة من حقائق الطبيعة البشرية الثابتة ولا يوصم بها مجتمع دون آخر وإنما هي حالة لا بد أن تمر فيها كل المجتمعات في طريق التحضر وتبقى فيها إلى أن يتحقق الوعي ويبزغ الضمير الاجتماعي وتستيقظ نزعة البناء .. وحتى لا ننتظر لسنوات طوال للقضاء على تلك الظاهرة بانتظار صحوة الضمير البشري للمشاركة في البناء .. ورفع مقياس وعي أمته لذا يجب اتخاذ التدابير اللازمة للحد من تفاقم المشكلة والتي منها:
1 - أن يربط إيصال الخدمات جميعها (كهرباء، هاتف، ماء) بنظافة الموقع ولا يتم إيصال أي خدمة إلا بعد الحصول على شهادة من البلدية تفيد بنظافة الموقع من جميع المخلفات.
2 - ربط حصول دفعات الصندوق العقاري بشهادة نظافة الموقع.
3 - التنبيه على المكاتب العقارية بعدم قبول البيع للمسكن إلا بعد التأكد من نظافة الموقع أو تتم الإزالة من قِبل المكتب العقاري.
4- منح البلديات صلاحيات أكبر لتطبيق التعليمات بحزم لا يشوبه التردد.
5 - ربط إكمال خدمات البلديات (سفلتة، إنارة، أرصفة، تشجير) بنظافة الشارع من المخلفات.
6 - تعزيز ودعم مراقبي البلدية لتغطية المدينة بشكل ميسر وتفريغ بعضهم للجولات خارج الدوام واثناء الإجازات.
7 - العمل على إيجاد شركات أو مؤسسات متخصصة لنقل المخلفات على حساب المواطن يسهل التخلص من النفايات أولا بأول ونقلها للمرامي المخصصة.
8 - تكثيف نشرات وحملات التوعية بضرورة عدم ترك المخلفات لفترة طويلة مما يساعد على تراكم الأنقاض وصعوبة معالجتها.
ومتى ما تحقق الوعي لدى المواطن فإن المعضلة الكبرى ستتحول إلى جزئية بسيطة لا تكاد تذكر ومعها يرفع من وعي وحس وفكر بلده إلى أعلى مستوى ما دامت النظافة مقياس الوعي لدى الشعوب
|