لا يمكن أن تخرج وزارة التربية والتعليم من صفحات الجرائد أبداً وأقرب صورة جيدة يمكن أن تكتسبها صورة رمادية باهتة أقرب إلى صورة الغوريلاء الجميلة إذا كان هناك غوريلاء جميلة في هذا العالم، وأي محاولة لاكتساب صورة أفضل من هذه تعتبر طمعاً لا مبرر له، فمشكلة وزارة التربية أنها تزاوج في علاقتها مع الناس بين الاستراتيجيات وبين أتفه التفاصيل، يشكل دورها الاستراتيجي ثقلاً كبيراً على حركتها كما تشكل التفاصيل الصغيرة التافهة اضطرابات في شكل صورتها أمام الرأي العام، فوزارة التعليم في أي بلد في العالم متأخرة عدة خطوات عن التقدم الذي يصيب البلد، السبب في ظني أن التقدم الذي يصيب أي بلد لا يمكن اعتباره تقدماً حقيقياً وتتبناه وزارة التربية حتى يستقر في صورة حياة ويصبح جزءاً من يوميات الإنسان العادي، فمثلاً بدأ الكمبيوتر الشخصي يدخل حياة الناس بشكل جدي مع بداية الثمانينيات الميلادية ومع ذلك لم يعترف به كحقيقة واقعة إلا في التسعينات، كل الدلائل والمؤشرات كانت تؤكد على أن الكمبيوتر سوف يصبح جزءاً من حياتنا اليومية وجزءاً أساسياً من التكنولوجيا التي تقوم عليها حياة البشر مع ذلك لم تتحرك وزارات التربية والتعليم في كثير من بلدان العالم في الوقت المناسب باستثناء الولايات المتحدة، وإذا نظرنا من زاوية أخرى إلى وزارة التربية سنلاحظ أنها الوزارة الوحيدة تقريباً التي تمثل ثقلاً على ميزانية الدولة دون عائد مادي يذكر ومنتجاتها لا يمكن أن تعبر عن نفسها إلا بعد جيل أو جيلين يكون الجيل الغاضب من الوزارة قد غادر ساحة الوغى وتشكلت مشاكل جديدة ليغضب منها الجيل الجديد، والناس في كل مكان (ما لها إلا ولد قاري) كما يقول المثل الشعبي، لا يهم الناس أن هذه الوزارة ليست كالمرور أو الجوازات تستطيع أن تتحرك بشكل فوري وعاجل كونها تتحرك في قراراتها وأدائها بشكل استراتيجي، فوضعها الاستراتيجي تحوسه التفاصيل التافهة، فخراب مكيف في مدرسة ابتدائية في الخرخير يفسد صورة الوزارة التي بناها مشروع استراتيجي يتصل بالمناهج أو بخطط التدريس، فالناس وعلى رأسها الجرائد لا ترى مشروع المناهج لأنه بالفعل لا يرى بالعين المجردة ولكنها ترى وتتخيل ذلك المكيف العطلان في الخرخير وفلذات أكبادنا (على حد تعبير الصحف) يطبخون في الفصل.
فالتطوير الاستراتيجي للمناهج سيحظى بمديح ونقد المتخصصين في غرف الاجتماعات المغلقة أما قضية مكيف فلذات أكبادنا في الخرخير فسوف تنتقل بعرقها ودموعها إلى صفحات الجرائد والمجلات لتطرح على مشرحة الأهواء المختلفة.
تعتمد قيادة وزارة التربية والتعليم في الدول النامية (تحديداً) على الضمير الوطني، فوزيرها له أن يختار بين المجد الشخصي وبين العمل الوطني، إما أن يصر على نظرته الاستراتيجية ويتحمل ضغوط أصحاب الأهواء المختلفة على سمعته أو أن يتحول إلى فني مكيفات يراكض وراء توافه مسؤولياته إرضاء لمجده الشخصي.
فاكس: 4702164
|