حينما كان الحصار الفلُّوجي السابق، وكان العُنْف يحيط بمدينة الفلُّوجة، والمحتل يكشِّر عن أنيابه، والمدينة المظلومة تقف بصمود للدفاع عن نفسها عرضاً ومالاً، ودماً، وحقاً مشروعاً، وحينما كتب الله لها - آنذاك - الصُّمود فقرَّر المحتلُّ الانسحاب، بعد أن خرَّب منها ما استطاع، فوجئ الناس بفضائح سجن (أبو غريب) تنتشر انتشار النار في الهشيم، وتشغل وسائل الإعلام العالمية عربيةً وغير عربية بصورة استطاعت أنْ تصرف النظر - إلى حد كبير - عما جرى في ذلك الوقت في الفلُّوجة من قسوة المحتلِّ وظلمه وهجميَّة غزوه، ومن صمود أهلها وثباتهم مدافعين عن حقَّهم المعتدى عليه في مدينتهم، وكأني بمخرج الإعلام الغربي يراقب الفرص المناسبة لبثِّ رسائله الإعلامية المثيرة في الوقت المناسب الذي يختاره، فيصيد بذلك عدداً من العصافير بحجر واحد، فهو يصرف النظر عن الحدث الأهم، ولا يمكن صرفه إلا بحدث مثير، وهو يوصَّل رسالة إلى أبناء الأمة العربية تزيد كثيراً منهم إحباطاً وشعوراً بقوة المحتلِّ وشدَّة سطوته، ويتيح مع ذلك مجالاً لتلميع موقف المحتلِّ بما يصدر من استنكار رسمي لما كشف من أحداث العنف وصوره.
ذلك ما جرى حينما كان الهجوم الأول على الفلٌّوجة، حيث برزت لنا صور سجن (أبوغريب) دليلاً على العنف والإرهاب الذي لا رحمة فيه ولا هوادة.
ونتساءل متعجبين: هل أصبحت صورة السجون المرعبة لدولة (الديمقراطية) الأولى؟!، هي الطريقة الأنسب لصرف أنظار العالم عما يجري من مظاهر عنف المحتل، وبوادر انكساره وهزيمته؟، وهل أصبحت تلك الصور هي الصَّارف الإعلامي المثير عن بعض أسرار المعركة التي تحطَّم كلَّ القيم والقوانين المتعارف عليها في الحروب؟
ها نحن الآن نتابع منذ أسابيع الهجمة الشرسة على الفلُّوجة بكل ما فيها من مظاهر العنف، والقسوة التي لم يستطع التكتُّم الإعلامي - شبه المحكم - أن يخفيها عن العالم، ونتابع ما يتسلَّل إلينا عبر بعض الوسائل الإعلامية من أخبار المقاومة القوية داخل هذه المدينة، بالرغم من استخدام أسلحة محرَّمة دولياً من قبل المحتلّ، ونسمع ما يقوله المحلَّلون السياسيون عن هزيمة المحتلّ المؤكدة مهما كان الفارق بينه وبين المقاومين في القوة المادية لأسباب يذكرونها من واقع تخصُّصاتهم.
ها نحن نرى ذلك كلّه، ونسمع عن أخبارٍ تؤكد الانسحاب بهزيمة من قبل المحتل، بعد أن ترك من الدَّمار والقتل ما لا يقوم به من له مقدار ذرَّةٍ من رحمةٍ أو حكمة، فلماذا في هذا الوقت تبرز لنا قضية صور الأسرى العراقيين الذين نالهم التعذيب الوحشي خلال احتجاز القوات الخاصة التابعة للبحرية الأمريكية لهم في مايو 2003م؟ لماذا تخرج هذه الصور في هذا الوقت المشابه للوقت - أحداثاً ومواقف - الذي خرجت فيه صور التعذيب في سجن (أبوغريب) سابقاً؟.
هل ما يزال المخرج الإعلامي يؤمن بجدوى هذا الإشغال الإعلامي للعالم بالمهم عن الأهمَّ، وهل ما يزال لهذا الإشغال دوره في التأثير في عقول الناس وقلوبهم؟؟
ما أشدَّ ظلم الإنسان حينما ينأى به هواه عن الرحمن، وما أقسى ما تقوم به (ديمقراطية العصر الزائفة) من أعمال وحشية لا يرضى بها الضمير الحيّ لأي إنسان، كائناً من كان.
إشارة:
من رأى البحر رأى أمواجه
ورأى زُرْقته والثَّبجَا |
|