في السابق كنا نردد في سياق الحديث عن انحراف بعض الآباء والمشاكل التي تحصل بين الأزواج وتنتهي بالطلاق، وما تفرزه من مآسٍ تصيب الأطفال، نقول: (يفعلها الآباء ويدفع ثمنها الأبناء..!!).
اليوم انقلب الحال، أو على الأقل بالنسبة لبعض الأبناء - هداهم الله - من الفئة الضالة التي تأثرت بأفكار الخوارج، وانتهجت أسلوب القتل والذبح والتدمير من خلال تشرُّبهم بفكر وثقافة الإقصاء والتكفير، وبدلاً من أن يكون الأبناء عوناً لآبائهم في شيخوختهم، يحملون عنهم عناء الهمِّ والحزن في آخر أيامهم، وهم يرونهم يشبّوا عن الطوق، ويكبروا أمام أعينهم ليساهموا في بناء وطنهم ورعاية عائلتهم، آباؤهم وأمهاتهم الذين سهروا الليالي وتحمَّلوا المشاق لتربيتهم، يفاجؤون بأنهم يتسرَّبون من بين أيديهم بعد أن أغراهم الشيطان الذي تلبَّس في ثياب أقران السوء الذين زيَّنوا لهم أفعالاً لا يقبلها الدين ولا العقل ولا المنطق.
والذي تابع البرنامج التسجيلي الذي عرضته القناة الأولى عن معاناة آباء الذين تورطوا في الأعمال الإرهابية التي شهدتها المملكة وانضموا إلى الفئة الضالة وتشرَّبوا بأفكارهم، يرى كم هو ذلك التناقض بين ما يقوله الآباء وما يقوله هؤلاء الضالون وأفعالهم، وأولها خروجهم على طاعة آبائهم الذين فضلاً عن عدم إخبارهم واستشارتهم فيما هم عليه مقدمون، فإنهم ورطوا أنفسهم وأوقعوا أهاليهم في حيرة ومشاكل سببها تعلُّق الأب والأم بابنهما، وهكذا بدلاً من أن يسعد الأب بابنه ويخفّف عنه أعباء الحياة، يجعله يعيش في قلق.. يقول أبو عبد الرحمن الفقعسي: (كنت أحاول إذا سرى الليل أبحث عنه حتى يأتي، ولا أرقد في الليل حتى أراهم جميعهم في البيت).
هذا الأب الصابر الذي اجتهد في تربية ابنه واقتسم لقمة العيش مع أبنائه، هل يُجازى الوالد والأم بهذا الجزاء، وهل من الإحسان إلى الوالدين إبقاؤهما في دوامة أحدهما لا ينام ليله ولا يهنأ في نهاره.. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.
ويتحدث والد فارس الزهراني عن أم فارس وحالتها المرضية التي أصيبت بها منذ علمها بانحراف ابنها.. يقول: (إنه من يوم حصل الحدث وحتى الآن وهي في رأسها زولية مثل ذي نايمة على فراش أرضي محل ما تحط مخدتها ترقد..!!).
هذا ما جناه الأبناء على الآباء.. وما قدَّمه الآباء الذين ظهروا في البرنامج التسجيلي (وقفة أبوية) هي فعلاً وقفات أبوية جديرة بالتأمل وأخذ العبرة منها من الأبناء.. ومن الأسر لتعرف كيف تصون أبناءها من رفقاء السوء.
|