المطلوب للسلام

تتركز تحركات غربية على دفع الانتخابات الفلسطينية وتأمين النجاح لها، باعتبار أن الخطوة ضرورية للاستحقاق الانتخابي في التاسع من شهر يناير المقبل. وآخر هذه الزيارات لوزير الخارجية الإسباني الخبير في شؤون القضية باعتبار أنه عمل قبل منصبه الحالي كمبعوث أوروبي للسلام في الشرق الأوسط. وقد جاءت زيارته لفلسطين في إطار سلسلة من الزيارات لوزراء غربيين تستهدف تحريك عملية السلام المجمدة في أعقاب وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
وتبرز أهمية التركيز على الجانب الإسرائيلي في هذه المساعي كونه الأكثر عرقلة لمساعي السلام، فإسرائيل هي التي تحبط إجراءات السلام، بما في ذلك تدميرها خارطة الطريق التي وضعتها أربعة أطراف دولية نافذة؛ إذ بينما تنصُّ خارطة الطريق على قيام دولة فلسطينية بحلول عام 2005م فإن إسرائيل عمدت إلى أن يخترق سورها العازل أراضي الضفة؛ ليضم نسبة كبيرة منها إلى مسار السور في خطوة لا تترك مجالاً لإقامة دولة فلسطينية إلا إذا كنا نتحدث عن دولة مجزَّأة منقوصة تخترقها الأسوار الإسرائيلية وتكتظ بنقاط التفتيش؛ لتظل مجرد مسخ مشوَّه لكيان خاضع واقعياً للاحتلال.
وقد حاولت إسرائيل من خلال خطة شارون للانسحاب من غزة استباق تطبيق خارطة الطريق، وتغليب الرؤية الإسرائيلية على مساعي السلام من خلال الدفع بمبادرة تبدو في ظاهرها وكأنها إيجابية، لكنها في الواقع تتفق مع المعايير الإسرائيلية في السلام؛ إذ بينما تتحدث خطة شارون عن الانسحاب من غزة فإنها تُبقي على الكيانات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، علاوة على الاستقطاع الذي تم مسبقاً من أراضي الضفة من خلال إقامة السور العازل.
وهكذا فإن إسرائيل تحاول تحوير السلام ليتفق مع مقاييسها هي، وليس مع النظرة الدولية التي تعبر عنها خارطة الطريق. لهذا وغيره فإن الجهود الغربية ينبغي أن تتركز على إقناع إسرائيل بمقتضيات السلام الحقيقي، وإلا فإن الانصراف عن ذلك سيجعل التحركات الأوروبية والأمريكية وكأنها لم تحدث. ومن المؤكد أن الحماس الغربي للانتخابات الفلسطينية شيء إيجابي، لكن هذه الانتخابات لن تستطيع وحدها إحداث النقلة المأمولة منها إذا لم يحدث تغيير حقيقي في واقع الرؤية الإسرائيلية للسلام، وهي رؤية تقوم على نظرة استعلائية تبدو فيها إسرائيل وكأنها تتكرم على الشعب الفلسطيني بالأرض وترتيبات الأمن، بينما الأرض هي فلسطينية وهي كذلك حيث تقوم إسرائيل وتتوسع.