ليست أحلام المراهقة ، ولا تسلق عصا سحرية ، بل أحلام جيل أتى في غير وقته ، جيل تمنى كما يحق له أن يتمنى من أساطير الحقيقة وليس الخرافة ، أن يتعلم ، ويعمل ، وينتج ، ويكوّن أسرة ، ومن ثم ينصهر مع المجتمع فرداً صحيحاً ومعافى من آفة التهور والانحدار.
لكن مثل جيلنا هذا ، الذي حقن بداء التخدير في أحلام مؤجلة ، قد واجه كلمة المحدود ، في وظائف شاغرة وليست بشاغرة ، وفي تأهيل علمي ينتهي في غالبه إلى نقطة البدء ، إلى البيت بانتظار مكالمة معجزة في فوزه بجائزة تقضي على الخيبات أو وظيفة تحمل مسماها وتجعله أسير أدراجها ، بدخل يتدنى درجات أسفل (المحدود) .. في وقت مضى ، كنا نسمع عبارة الدخل المحدود ، وهو على ما أظن كان مشروعاً سكنياً لمثل هؤلاء ، لكن الأمور الآن تبدو أنها اتسعت بشأن المحدود ، ودخلت كلمة التقسيط إلى قائمة المحدودية هذه ، فبات كثير من الشباب يقرن جل أمنياته بوهم التقسيط الذي يبدو قيداً محكماً على معظم أحلامه إلى أن يشاء الله.
ولئن كانت النظرة الواقعية إلى حالنا الآن هي من يشي بنفسه ، وأن خيوطاً قاسية باتت تحدد ملامح الطموح لكثير من الشباب ، بعد ما دخلت إلى قواميسنا مفردات الفقر والبطالة ، وانحراف الشباب إلى متاهات لا أرى سبباً مقنعاً لها سوى الفراغ ، إلا أن الحقيقة تقول بما يفترضه المنطق ، وهو أنه ازاء كل مشكلة لابد أن تتحمل الجهات المسؤولة والمواطنون أنفسهم جزءاً مهما من مسبباتها ، والتي لا يجب الإعلان عنها فقط ، أو أنها تنتهي إلى الاعتراف بها ، بل إيجاد الحلول المناسبة ، كما أن مشاكل الشباب وحدهم كفيلة بإعاقة التنمية أو جزء منها ، باعتبار أن هؤلاء الشباب من الجنسين يمثلون النسبة الأعلى في تعدادنا السكاني.
وهنا يجب أن نشير إلى رجال الأعمال ، المتهمين الأبرياء ، وهم من يتولون دفة الاقتصاد ، وينعمون بتسهيلات من الدولة لا يمكن إنكارها.. أين هم من مثل هذه الأعداد الهائلة من العاطلين عن العمل الذين وقفوا على أبواب منشآتهم ، كما لو أنهم سائلو حاجة؟ وقد يقول أكثرهم أين التأهيل ، والقدرات المنتجة؟ ولنا في ذلك مبرر ، وهو ان معظم الموظفين غير المواطنين ، يصرف عليهم من قبل هذه المؤسسات ازاء دورات تدريبية وحضور مؤتمرات واقامة وتذاكر وبدل تنقل سنوياً ، ما يمكن أن يوظف عشرة مواطنين بعد التدريب.
ما زالت مهامنا محدودة بالمشاركة في هموم هذه الأجيال ، حيث يبدو التجاوب باهتاً ، ولا يتناسب مع افتراض أن هناك مشكلة حقيقية يجب مواجهتها بشجاعة ، وأن التخطيط عملية ديناميكية يجب ألا تتوقف على أعتاب سنوات خمس أو أكثر ، في حين تقول الاحصاءات أن تعدادنا يزداد بشكل هائل ومربك عطفاً على الواقع ، وأكيد أن هذا التزايد لا ينجب متقاعدين أو عجزة ، بل شباب صغار يكبرون كما تقول سنة الله في خلقه.
** الأخوة الأفاضل سطام العوض ونايف الفريدي وعبد الله الفراج ، طلاب أكاديمية الفيصل ، والذين تفضلوا وبعثوا لي عبر (الجزيرة) خطاباً مطولاً يشكو حالهم: لقد كتبت عن هذه المشكلة في مقالة سابقة ، ورغم ذلك ما زال الأمر مفتوحاً إلى الجهات المختصة ، وإن كنت أتمنى أن لا أرى في وطني عاطلاً عن العمل أو محتاجاً أو مديوناً ، ولكن الأمل نافذة مفتوحة ، وأظن أن ما تضمنه هذا المقال يحوي شيئاً من هذا الهم المشترك.
|