* جوهانسبرج - اد ستيوارت - رويترز:
يرى الخبير الاقتصادي الأمريكي جيفري ساكس طريقة جديدة لمعالجة مشكلة الفقر في إفريقيا.. تتلخص في إغراق أفقر قارة في العالم بالمزيد من المعونات. وربما يثير هذا ضيق المعارضين أساساً لفكرة المعونات قائلين إنها تزيد الموقف سوءاً.
ويقول بعض المحلِّلين إن المعونات رسخت عبر إفريقيا نزعة اتكالية وإن مبالغ كبيرة من أموال الجهات المانحة أهدرت أو سرقت على أيدي حكومات فاشلة أو فاسدة.
وتعيش إفريقيا في فقر مدقع رغم تلقيها عشرات المليارات من الدولارات كمعونات على مدى العقود القليلة الماضية.
ويقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في دول إفريقيا جنوب الصحراء عام 2002 بلغ 469 دولاراً مقارنة بنحو 22987 دولاراً لمواطني دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
إلا أن ساكس الخبير في معهد بروكنجز يقول في تقرير بعنوان (إنهاء مصيدة الفقر في إفريقيا) إن (ضخاً كبيراً للاستثمارات العامة المدروسة بدقة هو وحده الذي سيخرج إفريقيا من دائرة الفقر التي تطحنها).
ورغم ما هو شائع.. يؤكِّد ساكس أن المساعدات السابقة لإفريقيا قليلة للغاية أو أسيء استغلالها من جانب حكام طغاة مثل موبوتو سيسي سيكو رئيس زائير الأسبق.
وكتب ساكس يقول (تخيّل اندلاع حريق ضخم في غابة يوشك على الانتشار. ولنفترض أن رجل مطافئ واحد أرسل بداية لمكافحة الحريق ثم خرجت الأمور عن حدود السيطرة). حينئذ سيقول المنتقدون.. لماذا نرسل المزيد من رجال الإطفاء. لقد رأينا بالفعل أنهم غير مؤثرين).
ويوصي ساكس بربط برنامج للمساعدات والاستثمار في إفريقيا بأهداف خطة التنمية الألفية للأمم المتحدة التي تسعى إلى خفض عدد الفقراء في العالم بنسبة 50% بحلول 2015م. ويقول ساكس إن ثمة حاجة إلى ما بين 50 و75 مليار دولار أي مثلي حجم المساعدات الحالية تقريباً.
ويشير إلى أن الدول المانحة في العالم الغني التزمت بتقديم مساعدات تنمية رسمية تصل إلى 0.7% من إجمالي ناتجها القومي أو نحو 175 مليار دولار.
وقال ساكس الذي يتابع أحوال 33 دولة إفريقية في منطقة جنوب الصحراء إن
إفريقيا صارت أكثر فقراً لأنها غرقت (في مستنقع الفقر، حيث إنها من الفقر الشديد للحد الذي يحول بينها وبين تحقيق مستويات قوية وعالية من النمو الاقتصادي). وتابع أن القارة السوداء تواجه عقبات ضخمة غير موجودة في مكان آخر وأن الأمر ليس مجرد حكومات سيئة.
ويشير ساكس إلى أن الفقر في إفريقيا يزيد من حدته ظواهر مثل ارتفاع تكاليف النقل بالقارة التي يعيش معظم سكانها في مناطق داخلية تعوزها الأنهار الصالحة للملاحة. وتحدث عن انخفاض الإنتاجية الزراعية مع عدم انتظام هطول الأمطار وقلة الأنهار لاستخدامها في الري ونقص الأسمدة.
وأشار أيضاً إلى تفشي الأمراض خاصة أوبئة مثل الإيدز والملاريا. وقال إن الظروف الجغرافية السياسية السلبية ومنها استنزاف القوى الاستعمارية لثروات القارة وقيامها برسم حدود للدول الإفريقية لا تراعي التقسيمات العرقية. فضلاً عن أن تجارة الرق أعاقت طويلاً تشكيل دول.
وأضاف أن هناك أيضاً البطء الشديد في الاستعانة بالتكنولوجيا من الخارج.
ويصر ساكس على أن هذه العوامل كلها أفرزت فقراً شديداً أدى بدوره إلى انخفاض في معدلات الادخار. ومستوى رؤوس الأموال محدود لدرجة أنه أقل من الحد الأدنى الضروري لبدء عمليات إنتاج حديثة. وإضافة إلى ذلك ارتفاع معدلات النمو السكاني في مناطق الريف الفقيرة التي تعتبر الأطفال أصولاً اقتصادية.
وكتب ساكس يقول إن (هذه العوامل الثلاثة وهي مستوى رؤوس الأموال وأزمة المدخرات والمشاكل السكانية تتفاعل كلها معاً. ربما أن عاملاً واحداً من هذه العوامل كان من الصعب أن يتسبب في مأساة الفقر إلا أنها معا أفرزت المشكلة).
وهو يقول إن الحل يكمن في زيادة الاستثمارات العامة خاصة في الدول الإفريقية التي لديها حكومات رشيدة رغم إن بعضاً من أفضل تلك الدول كجنوب إفريقيا وبتسوانا لم يشملها تقييم ساكس.
وإلى جانب زيادة المساعدات يدعو ساكس أيضاً الى تعزيز التجارة خاصة في المنتجات الزراعية لكنه يقول إن المكاسب التي ستتحقق لن تكون بديلاً للزيادة المستمرة في المساعدات الخارجية.
وستستهدف المساعدات الدولية زيادة الإنتاجية في الريف ومعالجة مشكلة الأمراض ونشر التعليم الأساسي. إلا أن ثمة انتقادات تواجهها خطة ساكس الطموح كما أنه يصعب تصور كيفية إقناع الدول الغنية بزيادة حجم المساعدات. وحتى الآن لم يسفر مشروع الشراكة الجديدة من أجل التنمية في إفريقيا الذي يربط بين زيادة الاستثمارات والحكم الرشيد سوى عن نتائج قليلة.
وقالت صحيفة ذي ايكونوميست الاقتصادية في نقد لاقتراح ساكس إن الزيادة المفاجئة في حجم المساعدات لإفريقيا قد تغري المزيد من العناصر الفاسدة بدخول الحكومة أو تقلل من الحافز لتنفيذ إصلاحات مؤلمة مثل الخصخصة. إلا أن إفريقيا تحتاج بوضوح إلى خطة جسور لإنقاذها من كارثة.
|