لابد من القول بداية إن كل مواطن في أي مجتمع يحرص على أن يكون له صوت مسموع في ترتيب أوضاع وطنه، خاصة حين يكون ذلك الوطن في مرحلة تأسيس مصيرية حرجة، فلا اعتبار بناء على ذلك لأصوات متطرفة متشنجة ترفض العملية الانتخابية برمتها، وهي أصوات معزولة عن التيار العام على كل حال، إذ يكاد العراقيون يجمعون على أهمية العملية الانتخابية بل ضرورتها باعتبارها الوسيلة الرئيسة المؤدية للخروج من المأزق الحالي وإرساء أسس دولة راسخة الأركان.
ولكن للانتخابات إذا أريد لها أن تكون طريقا إلى الحل لا تعميقا للمشكلة شروط ومستلزمات لابد من توفيرها لضمان الحد الأدنى من النجاح، وأول هذه المستلزمات أمن مستتب إلى حد معقول، وثانيها حرية إرادة للمواطن لا يقيدها حشد عسكري ضاغط أو حالة طوارئ زاجرة، وثالثها وجود جهة محايدة تشرف على سير الانتخابات وتضمن نزاهتها، ورابعها آليات متفق عليها بشأن من يملك حق الاقتراع والترشح في الداخل والخارج وكيفية التصويت وغير ذلك.
ومن يتأمل المشهد العراقي بحيدة وتجرد يتبين له بوضوح انعدام اغلب تلك المستلزمات مما يجعل إجراء انتخابات حرة ونزيهة في هذا الظرف مستحيلاً أو شبه مستحيل.
وعلى الرغم من هذا الواقع الظاهر لكل ذي عينين إلا أن هناك إصرارا مريبا على اجراء الانتخابات لدى أطراف فاعلة على الساحة العراقية، وكأن الواقعة ستقع إذا لم تجر الانتخابات في آخر كانون الثاني يناير 2005م وتتذرع هذه الأطراف بضرورة احترام نص قانون إدارة الدولة المؤقت، وهي تعلم كما يعلم الجميع كيفية ولادة ذلك القانون بما لا يؤهله لأية قداسة في أعين الناس ويتناسى أولئك المصرون حقيقة أن العراق عاش طيلة تجربته السياسية دون انتخابات حقيقية فلا يضيره إذا انتظر سنة أو بعض سنة من أجل انضاج الظروف التي تساعد على اجراء تلك الانتخابات التي يراد لها إفراز جمعية تشريعية تتكفل مهمة في غاية الخطورة وهي وضع الدستور الدائم للعراق الجديد، ومهمة مثل هذه تتطلب اشتراك كافة أطراف المجتمع العراقي كي يحظى ذلك الدستور بالشرعية اللازمة بما يجعله ملزما للجميع باعتباره عقدا اجتماعيا توافقيا.
ولا يصعب في هذا المقام تشخيص أسباب هذا الإصرار وهي أسباب مصلحية آنية قصيرة النظر، تحرك من يريد اقتناص مكاسب انتخابية على حساب أطراف مغيبة وأرجو ألا ينطلي على القارئ الكريم الزعم الرائج عن الطبيعة المذهبية للاختلاف بين المطالبين بالتعجيل أو التأجيل فليس كل المطالبين بالتأجيل من السنة ولا كل الداعين للتعجيل من الشيعة رغم وجود أسماء شهيرة ذات دلالات مذهبية في هذا المعسكر أو ذاك. فالقضية قضية وطنية عامة تتعالى على هذه التوصيفات السمحة، وهي تستدعي من كافة الأطراف الارتقاء إلى مستوى الطرف الخطير وابداء أقصى درجات المرونة لتجنيب الوطن الجريح المزيد من الطعنات المسمومة التي قد تودي به لا سمح الله، وإذا حدث ذلك ستغرق السفينة بالجميع، ومنهم المحتلون، فهلا يرعوون ويكفون عن اقتراف المزيد من الأخطاء التي أظهروا براعة كبيرة في ارتكابها منذ وطأت أقدامهم تراب العراق.
(*) سياسي عراقي مستقل |