في أواخر سنوات الحرب العالمية الثانية.. كان وزير المالية عبد الله السليمان قد انتقل إلى الخرج لإنشاء بعض المزارع التي توفر للمواطنين بعض ما يحتاجونه من حبوب وثمار.. وكانت الخرج ذات عيون تسيح على وجه الأرض.. فغرس فيها النخيل وأنشأ فيها مزارع الحنطة والأعلاف التي تغذي مختلف أنواع الحيوانات.وكانت عائلة الوزير وأولاده ينتقلون معه من مكة إلى الخرج.. ومع أولاده مدرس خاص هو الشيخ حمد الجاسر.. يعلمهم ما يحتاجون إليه من علوم اللغة وعلوم الدين.. وكان هذا المدرس صديقا لي.. قد جمعتني به الزمالة في المعهد العلمي السعودي.. وجمعتنا الزمالة أيضا عندما كنا ندرس على المشايخ في مساجد الرياض، وأشار هذا الأستاذ إلى الوزير بأن تفتتح مدرسة لأهالي السيح يتعلم فيها أولادهم ويتعلم فيها أولاد حاشية الوزير.وافتتحت المدرسة فعلا وجعل فيها وكيل هو الشيخ سليمان السكيت واقترح مدرس أولاد الوزير وهو الشيخ حمد الجاسر بأن أكون مديراً لهذه المدرسة.. ووافق الوزير على ذلك، وأرسل برقية الى أمير المدينة التي أقيم فيها بأن يأخذ أول سيارة من السيارات التي تمر به وهي خالية من الحمولة.. وتسلم لي لأنتقل عليها أنا وعائلتي إلى الخرج.. ونفذ الأمير ما أمر به.وانتقلت الى الخرج عام 1362هـ وتوليت إدارة المدرسة مع معاوني الأستاذ السكيت.. وكانت هذه المدرسة أول مدرسة حكومية تنشأ في مدينة السيح، وهي مدينة جديدة بين المزارع والعيون والمروج الخضراء.. فأقبل عليها الطلاب إقبالاً منقطع النظير.. وسارت شهرتها وشهرة مدرسيها بين جميع المواطنين وصار الأهالي يتبرعون بالادوات المدرسية وبأنواع من الإعانات المالية التي تصرف فيما يحتاجه الطلاب.. أو بعض الطلاب.وكانت من عادة الملك عبد العزيز أن يأتي إلى الخرج هو وعائلته وحاشيته كل أسبوع وقررنا أن نزوره مع بعض الطلاب، وأعددنا للطلاب بعض المحاورات الدينية.. والأناشيد الوطنية.. كما أنشأت قصيدة في مدح جلالته.. وكان من عادة الملك عبد العزيز - رحمه الله - أن يخرج من قصره بعد صلاة العصر.. ويجلس أمام بركة في بعض البساتين وحاشيته وخدمه يحفون به من كل جانب.. وجئت إلى هذا البستان.. ومعي بعض الطلاب الذين أعددناهم للمحاورات والأناشيد الدينية.. أو التي تحث على الجد والاجتهاد في سبيل العلم واكتسابه.
مقابلة الملك عبد العزيز
وتقدمنا الى جلالته فسلمت عليه وكان عن يمينه ولي العهد الأمير سعود وعن يساره نائبه في الحجاز الأمير فيصل والحاشية والخدم يحفون به من كل جانب.. وبعد ان سلمت عليه طلبت من جلالته أن يسمح بإلقاء قصيدتي بين يديه فأذن لي.. ووقفت في وسط ذلك العريش الذي خصص لجلالته.. بين ذلك الحشد من الخدم والحشم والقادة.ثم شرعت في إلقاء القصيدة وكانت هذه القصيدة تفيض بالمحبة والإخلاص وذكر المزايا التي وهبها الله لجلالته.. والجميع ينصتون فلا حركة.. ولا كلام.. وكان صوتي هو الوحيد الذي يصول ويجول بين تلك الجموع الحاشدة التي منها الجالس ومنها الواقف.وبعد أن فرغت من القاء القصيدة.. تقدمت لأعطيه نسخة منها فرأيت علامات الرضا والقبول تشع من أسارير وجهه رحمه الله.
وبعد ذلك تقدمنا إلى جلالته فسلمنا عليه وودعناه وقال لنا بصوته الأجش المهيب.. بارك الله فيكم يا أولادي.
وكانت هذه الكلمة أجمل وسام قلدنا في ذلك اللقاء الذي كان موضع التقدير والاعجاب.. من جميع أولياء الطلاب ومن سواهم ممن شاهده أو سمع به.. سواء في ذلك اولياء الطلاب أو أهل البلد الذين ملأهم الفخر والسرور بأن يكون في بلدهم مدرسة لها هذه المكانة الرفيعة عند مليك البلاد وموحدها وقائد نهضتها.
|