صور من الصحراء

*مشعل الجبوري :
العداية:
قد يخطئ ويجانبه الصواب من ينعت سكان البادية والصحراء والقبائل بالتخلف وهم منبع الكرم والرجولة والعادات الحميدة منذ الأزل بل ويزيد في غيه وعنجهيته وهذره في تجاهل أعرافها و(عوارفها) و(كرماؤها) ووصفهم بصفات لم تنطبق يوماً عليهم حسب ما قرأنا وسمعنا من كبار السن وأنا أرى أن من يصدر منه ذلك خاصة إذا كان قد خرج من رحم البادية فهو منسلخ عنها ولم يصل بعد إلى مستوى التحضر الصحيح وأصبح مثل قول المثل الصحراوي (معايد القريتين) وأغلب أحكام (عوارف) البادية والصحراء هي مستمدة من الشريعة الإسلامية ومن ذكائهم الفطري وعاداتهم الحميدة وسأورد في هذه الزاوية الكثير منها وهذه إحداها كمثال وهي:
العداية:
ان العداية أمر شائع ومتعارف عليه قديماً في قوانين الصحراء ولدى البادية خصوصاً وهي ذات صلة بالضيف وإكرامه ولم تشرع ولم يتعارف عليها إلا لأجل هذه الغاية، فالعداية في الحقيقة ماهي إلا اعتداء على ماشية الغير وسلب لرأس منها لغاية نبيلة هذه الغاية هي قرى الضيف وإكرامه عندما لا يجد المضيف من ماله ما يقدمه لهذا الضيف ويكرمه به وقد نستغرب نحن هذا التصرف وهذا الضرب من الإكرام ولكن البدو قد اعتادوا ذلك قديماً وألفوه وقد تعارفوا عليه حتى أصبح فعلاً مشروعاً ولكن ضمن شروط نبينها فيما يلي:
أ- إن العداية تتم بأن يعتدي المضيف بنفسه أو يرسل من يعتدي له على غنم جاره أو غنم أي فردٍ من أفراد عشيرته أو العشائر المجاورة له فيأخذ إحداها ينحرها وليطعم منها ضيفه.
ب- إن العداية لا تجوز إلا على الغنم فقط واما ماعدا ذلك من السائمة فلا تجوز العداية عليها كالإبل وما إليها وحتى الغنم لا تجوز العداية على بعضها إذا يستثنى من ذلك الكبش لأنه غالباً مايكون فحلاً متخذاً للنسل والشاة المعلق في عنقها جرس لأنها تكون شاة مدللة والربيطة لأنها تعلف علفاً خاصاً حتى تسمن قبل غيرها والمنذورة التي تكون محلاً لنذر من النذور.
ج- لا تجوز العداية إلا من أجل الضيف الحاضر أما الضيف القادم الذي لم يصل بعد فلا تجوز العداية من أجله والذي يخالف هذا الشرط عليه أن يرد الشاة مربعة أي أن يرد أربعة شياه مثلها جزاء على ما قدمت من مخالفة للأعراف والتقاليد.
د- تجوز العداية على الغنم في حال غياب صاحبها أو راعيها شريطة اخبارهم بذلك.
هـ- للمعدو عليه أن يطالب العادي بعوض عن شاته بعد أيام ثلاثة من العداية وعلى العادي أن يرد الشاة للمعدو عليه خلال أربعة عشر يوماً.
و- إذا كانت الشاة المعدو عليها (دافع أو مضرع) فعلى العادي أن يرد مثلها مع خروف صغير.
ز- في حال وقوع اختلاف بشأن العداية يتقاضى الفريقان لدى العارفة ويقوم هذا بإصدار حكمه وفقاً لما تعارف عليه البدو.
ح- إذا مات العادي قبل أن يقوم بالتعويض عن الشاة التي عدا عليها فالمسؤول عن التعويض هو الرجل الذي أعانه على حمل الشاة المعدو عليها وإذا مات هذا الرجل، فالرجل الذي أكل منها من أهل العادي فإذا لم يتوفر فالذي أتى بالقدر لطبخ الشاة، وهناك عوائد أخرى حميدة في البادية والصحراء سوف نستعرضها لاحقاً مثل الايثار على النفس والجوار والدخالة وحق الطنيب والجرأة في قول الحق والحياء والصبر والمروءة والأمانة والوفاء والعفو والنجدة والشجاعة والحسنى والمنيحة والفقرة والركوبة وهذه جميعاً هي صور من الصحراء انتظروها قريباً.
صورة شعرية للشاعر صغير الغريب: