لقد أصبحت وسائل الإعلام في المجتمع المعاصر جزءًا من منظومة التنميط الاجتماعية socialization على حد قول أولجا فارونينا.
وهي تلعب أضخم الأدوار في تشكيل وصياغة الرأي العام وتقديرات الناس وتوجهاتهم وفي مجريات الأحداث.
وعلى الرغم من اختلاف النظرة لهذا النوع أو ذاك من وسائل الإعلام واختلاف الرأي في المواد التي تقدمها فالمواطن المعاصر لا يمكنه أن يتصور حياته من دون الصحف والمجلات والإذاعة والتليفزيون، وهي الوسائل التي تحكي لنا بفاعلية ونشاط عن أهم الأحداث في العالم.
على هذا الأساس تحديداً تظهر المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام، وخاصة فيما يتعلق بالحفاظ على حقوق الإنسان والالتزام بها.
ولكن، مع الأسف فوسائل الإعلام المسؤولة، غالباً ما تتجاهل هذا الجانب في نشاطاتها بإساءتها، شاءت أو لم تشأ استخدام مبدأ حرية الكلمة وخاصة في العلاقة بحقوق المرأة.
تقول أولجا: إن بناء المجتمع المفتوح غير ممكن من دون التغلب على الجنسانية sexism أي التمييز على أساس الجنس.
ويقول أندريه ميشيل: الجنسانية هي التوجه الذي يضع أحد الأجناس بالنسبة للجنس الآخر في ظروف مهينة.
إن الأنماط الجنسية، إذن، هي إحدى أشكال الأنماط الاجتماعية التي تأسست على التصورات السائدة في المجتمع حول الرجالي والنسائي وسلم ارتقاءاتها، وعادة ما تتصف الأنماط الجنسية بالجنسانية في علاقتها بالمرأة.
فهناك العديد من الأبحاث والدراسات التي تظهر تأثير الأنماط الجنسانية على تقديرات الناس وتقويماتهم.
وبشكل عام، فموضوع المرأة الآن غير متداول في وسائل الإعلام العادية. ففي فترة نهاية الثمانينيات كانوا يكتبون عن المرأة أكثر بكثير مما هو عليه الآن.
وفي حقبة التسعينيات تفاقمت عملية تنميط النساء في وسائل الإعلام وتم تقديم المرأة إما كتفصيلة صغيرة في واجهة المطبخ أو بين الأطفال. وإما كهدف جنسي. وكان ذلك واضحاً على وجه الخصوص فيما يسمى بالمجلات النسائية.
إن معظم هذه المجلات مخصصة لتعليم المرأة كيف تكون جميلة، وكيف تكون دمية مغرية ومثيرة، وكيف يكون هدف حياتها أن تكون مسلية للرجل ويمكنها أن تقدم له أكبر قدر من الاستمتاع واللذة.
وفي وسائل الإعلام غير النسائية صارت المطبوعات والبرامج المخصصة للنساء وللموضوعات النسائية أقل فأقل بينما أصبحت المقتطفات والطرائف والعناوين التي تتميز بالجنسانية الحادة أكثر فأكثر.
إن (بيزنس) الإعلانات الذي يمتلك تاريخاً طويلاً في الغرب، قد أجريت فيه الكثير من الدراسات والأبحاث لهذه الظاهرة، وظهرت العديد من الآليات السلبية، من وجهة النظر الاجتماعية، لتأثير الإعلانات وخاصة في مجال تنميط شكل المرأة.
ولأن الإعلان يعمل باستخدام النماذج الشفاهية والبصرية والمرئية مؤسساً مجموعة معينة من القرائن والترابطات والتداعيات، فإنه بذلك يؤثر على الإنسان غير الواعي، ونماذج الإعلانات الغربية الأكثر حظاً تضع البضاعة في موقف أو حالة مزوقة بالانفعالات الإيجابية الأمر الذي يجعلها تستدعي لدى المشاهد انفعالات إيجابية مماثلة، وتقوي لدى المستهلك التداعيات الإيجابية والحنان والعطف الشديدين وغيرهما من التداعيات والآثار.
وقد أكد العديد من الباحثين أن المواد الإعلامية والمعلومات التجارية تتميز بالتصوير النمطي للمرأة والتمييز الجنسي بين الجنسين، حيث النساء فقط هن اللاتي يقمن في الإعلانات بالأعمال المنزلية والمعيشية حتى مع استخدام الآلات المنزلية الحديثة التي لا تتطلب إطلاقاً أية مواصفات نسائية خاصة.
وعلى ضوء خصوصية سوقنا الجديد الذي يطرح في الأساس الملابس ووسائل التنظيف والأدوية، يتوجه الإعلان تحديداً إلى المرأة كإنسان منوط به ترتيب وتنظيم المتطلبات الأسرية والعناية بها.
فمن الحجم العام للإعلانات التليفزيونية الموجهة إلى المرأة تخصص نسبة 39% للإعلانات التي تقدم إليها وسائل العناية بنفسها، أدوات التجميل والعطور والأدوية، ونسبة 61% الباقية تقدم للمرأة وسائل العناية بالبيت والأطفال والزوج.
وبين الإعلانات التي تقدم للمرأة وسائل العناية بالبيت والأسرة توجد بها نسبة 23% من البضائع الموجهة للمرأة الأم، ونسبة 38% للمرأة الغسالة وعاملة النظافة.
في كثير من الأحيان يتم الإعلان عن البضاعة باستخدام رموز جنسية مثيرة للاهتمام أو مواقف جنسية مثيرة جنسياً، وفي 90% من الحالات يكون الطعم الجنسي هو جسد المرأة.
وهنا، لا نقصد تلك الحالات التي يتم فيها استخدام الأنوثة الطبيعية للمرأة في خدمة الإعلانات الخاصة بأدوات التجميل، ولكننا نتحدث عن أخطر من ذلك، عن المواقف والحالات الشائعة في الإعلانات المتخصصة بوسائل الإعلام، حينما يتم الإعلان عن مواد البناء أو الحاسوب أو السيارة أو الأثاث المنزلي أو البضائع الصناعية الأخرى على خلفية من الفتيات الجميلات المرتديات ملابس فاضحة أو شبه عاريات تماماً وفي أوضاع مثيرة جنسياً.
مع أننا لا يمكن إطلاقاً أن نرى جسداً رجالياً عارياً في المواد الإعلانية عن السيارات ومواد البناء.
بيد أننا يمكن رؤية جسد الرجل الجذّاب بمسحة خفيفة من الإثارة في الإعلانات عن الملابس الداخلية الرجالية فقط، ولكنه من الضروري أن يكون مرتدياً السروال الداخلي والفانيلة، وفي أغلب الأحوال يكون مرتدياً ملابسه كاملة ومن تحتها تختفي الملابس الداخلية التي يتم الإعلان عنها.
وهناك قاعدة تعمل في حالة الإعلانات المجنسنة: فالجسد النسائي الجذاب يضفي، من ناحية، الجاذبية، على البضاعة التي يتم الإعلان عنها بشكل جذّاب أيضاً، ومن ناحية أخرى، فحينما يقوم المشتري بتأثير هذا الإعلان بشراء سيراميك أو حتى جرانيت!! فهو في وعيه الباطن كما لو كان يشتري أو يمتلك تلك المرأة الجميلة بصورتها الموجودة عليها في الإعلان.
إن قضية تنظيم ومراقبة تقديم المواد الجنسية المكشوفة في وسائل الإعلام تثير كثيراً من الجدل في العديد من الدول بيد أن عملية تنظيم ومراقبة الإباحية المرتبطة بالأطفال تجد مساندة أكثر اتساعاً من عملية تنظيم ومراقبة الإباحية المرتبطة بالنساء.
لقد انتشرت في الآونة الأخيرة في جميع أنحاء العالم حالات عرض وتقديم مشاهد الجنس في وسائل الإعلام في ظل غياب الرقابة، كذلك فإن تزايد عدد المحطات الفضائية الدولية أدت إلى تزايد عروض المواد الإباحية إلى عشرة أمثالها خلال السنوات الأخيرة.
وللأسف، فان هناك بيزنس هائلاً يعمل في إنتاج وتسويق هذه المواد، وهذا البيزنس مرتبط أيضاً بالإكراه على ممارسة الدعارة وتجارة النساء، وهو يتزايد ويتضخم بسرعة مرعبة وبتحوله إلى أحد أشكال الجريمة المنظمة، فقد أصبح يمارس على نطاقات عالمية واسعة.
إن التشريع ومراعاة مقاصده والقيم الأخلاقية ومبدأ العقاب تعد من الضمانات الأمنية والحقيقية لمنع أي شيء يوجد من دون رقابة.
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عضو الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية |