بدأت أعرف أن الدنيا عطاء..
عندما زرت الأستاذ فريح الفريح يوم السبت الماضي كنت أعيش جواً ألفته.. جواً أحببته، إنه عالم الأحبة الصغار الذين هم زينة الدنيا وعالمها الحقيقي..
دخلت الجامع - وجامع البكيرية وأهلها سلوة القلب المحزون - قابلني شباب تعلو محياهم بسمة وبشر مألوف ومعروف، فهم أهل المحبة والإيثار.. دخلت دون مقدمات في حديث شيق عن الحلقات التي شدتني وأبهجتني.
رأيت فيها جداً واجتهاداً، أدباً وهدوءاً.. تعرفت على الفكرة الرائدة، وخلال الحديث سارقت أخي النظر مرات إلى أولئك الصبية الذين نورت قلوبهم الطاهرة جنبات الجامع.. وصدحت حناجرهم الطرية بالحروف فكاً وربطاً.. وبعد الجلسة داخل الحلقة ومشاهدة الجوائز والحوافز الفورية وبعد السلام والتحية على المدرسين الفضلاء جلست مع المشرف انتشي العبق الروحاني والألق القرآني.. رأيت كل ما يعجبني بحق.. ووقفت بقدمي على مشروع يضيء منه الأمل..
عندها أقبل الأخ أبو محمد ليسلم ويألف ويؤلف.. الرجل كان عنده فكرة لا تحتمل التأخير.. بدأنا في الحديث عن الفكرة.. بدأ هو بالهدف والوسيلة وعرج على التكلفة التي هانت عنده إلى حد قوله إنه عازم على إنفاق ما يملك بسخاء لفكرته..
ضيَّفنا في داره بعد المغرب ليقول إنه يرغب في أن ينشر فكرته حتى لا تموت بموته.. الحياة اسمها العبادة في قلوب المسلمين.. والعبادة عندهم إحسان..
فهم على الدوام مؤمنون محتسبون.. لذا فالأستاذ فريح لم يمت لأنه خلف إرثاً ووارثين: إرثاً يبقى لأن الله جل وعلا حكم له بالبقاء {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.. ووارثين أكفاء لأنه لم يعش منعزلاً بل عاش محبوباً يغرس في قلبك الخير.. ويمضي خفيف الظل..
فرحت به لأنه فرح بالقرآن.. وعدني بأن يجيب دعوتي حتى يقول الخير الذي عنده.
رحمك الله أبا محمد..
أبقيت إرثاً سيحمل اسمك.. وسيثمر وللثمر - بإذن الله - إيناع.
|