Saturday 4th December,200411755العددالسبت 22 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

الأسرة والطفولة والألفية الجديدة الأسرة والطفولة والألفية الجديدة
د. خليل إبراهيم السعادات

لقد توصل قادة العالم إلى أن مكافحة الفقر هي أكبر التحديات التي تواجه العالم في القرن الجديد، وهي التحدي الذي قرروا مواجهته بخلق بيئة مواتية للتنمية والقضاء على الفقر على الصعيدين الوطني والعالمي. ومن أجل تحقيق هذا الهدف وضعوا في الإعلان بشأن الألفية سلسلة من الغايات الانمائية الواضحة التي يتعين تحقيقها في وقت معين والتي تم بعد ذلك جمعها بوصفها الأهداف الانمائية للألفية.
جاء ذلك في دراسة حول أهداف الألفية، وذكرت الدراسة أن الأهداف التنموية للألفية تمثلت في ثمانية أهداف رئيسية هي القضاء على حدة الفقر والجوع، وضمان تحقيق التعليم الأساسي الشامل، والارتقاء بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وخفض وفيات الاطفال، وتحسين الصحة الانجابية، ومكافحة فيروس الايدز، ومكافحة الملاريا والأمراض الأخرى، وضمان الاستدامة البيئية.
وبالتوافق حول هذه الأهداف اتجه العالم نحو إقامة شراكة عالمية من أجل التنمية وترتبت مجموعة من الالتزامات على دول العالم، وبدأت تترجم الأهداف الإنمائية للألفية الى إطار عمل. وهذه الأهداف هي نتائج أكثر منها مدخلات والإعلان بشأن الألفية قد اعترف صراحة بأهمية عوامل غير مذكورة ضمن الأهداف الثمانية، إلا أنها مهمة لتحقيق الأهداف.
وجاء في هذا السياق التأكيد على دور المجتمع المدني والنص على أهمية الحكم الرشيد وترسيخ الديمقراطية في مجتمع مدني قوي وبناء الشراكة من أجل تنمية موقع الجمعيات داخل المجتمع.
ويرتبط بهذا المشاركة في الأمور الاجتماعية المختلفة السياسية والاقتصادية والتربوية، وعلى سبيل المثال فإن مشاركة الفرد في صنع القرارات في نطاق الأسرة والمدرسة والجامعة والعمل وغيرها من المجالات الاجتماعية تلعب دوراً حاسماً في تشكيل اتجاهات الأفراد نحو تطور المجتمع واستقراره، ولعل المجال الذي لا يحظى منا باهتمام مناسب هو مجال الطفولة، حيث تذكر الدراسة أن تنشئتنا لأطفالنا تعد حجر الأساس في ممارسة المشاركة الاجتماعية في كافة المؤسسات التعليمية والسياسية والانتاجية والاعلامية. ولما كانت العلاقات داخل الأسرة في غالبية البلاد النامية تفتقد الديمقراطية ولا تشجع على المشاركة فقد كان لابد أن ينعكس ذلك على ممارسات الحياة العامة.
إن مشاركة الفرد في صنع القرارات في نطاق الأسرة والمدرسة والجامعة تعد بمثابة الحلقات المتصلة المتدرجة التي تمهد الفرد للمشاركة المجتمعية الكاملة، فليس من المتصور أن يظل الفرد بمنأى عن إبداء رأيه في شؤون الأسرة ثم المدرسة ثم الجامعة ثم تتوقع منه أن يكون مشاركاً فعالاً مهتماً بشؤون مجتمعه حين يكبر. إن مثل هذه المشاركة في تلك المجالات تهيئ الأفراد لمشاركة واسعة فعالة في عدة ميادين اجتماعية.
وتعد الأسرة بمثابة المؤسسة التدريبية التي يتلقى فيها الطفل الدروس الأولى في المشاركة الاجتماعية، فإذا ما كانت الأسر لا تشجع على المشاركة فلابد أن ينعكس ذلك على جوانب الحياة الأخرى وارتباطها بالسلطات المدنية. والعلاقة مع السلطة المدنية تنشأ أول ما تنشأ في علاقة الفرد بالوالدين داخل الأسرة بما تحمله هذه العلاقة من أنماط اجتماعية وثقافية وتاريخية للمجتمع الذي يعيش فيه الفرد، ومن ثم فإن مراحل الطفولة الأولى تشهد تكوين ملامح هذه العلاقة التي تلعب دوراً كبيراً في تحديد أسلوب تعامل الفرد مع رموز السلطة في المجتمع مستقبلاً.
وتشير الدراسة ان بداية انفتاح الطفل على امكانية المشاركة الفعلية تبدأ منذ مرحلة الطفولة المبكرة (2-5 سنوات) وهي المرحلة التي تقابل مرحلة الحضانة ورياض الأطفال وإن كان الاعداد لها يبدأ قبل ذلك. وترجع أهمية هذه المرحلة الى ما يميزها من تحول الطفل من الاعتماد الكامل على الأسرة الى الآخرين والتفاعل معهم. والمؤسسة التعليمية شأنها شأن الأسرة تعد جزءاً من نسيج المجتمع يصوغها على صورته.
وتنوع أنماط التنشئة الاجتماعية الأسرية التي تسود علاقات الطفل بأسرته في البيت لا يصبح أمامها إذا ما تعارضت مع ما تلقاه في الأسرة، سوى الاستسلام لذلك النمط الجديد الموحد من التنشئة الاجتماعية التي تستطيع صياغة هوية الطفل من خلال السلطة المدرسية وما تفرضه من نظم وقيم. ولا يعني ذلك أن تلك المؤسسة التعليمية الجديدة بحسب الدراسة سوف تنفرد وحدها بصياغة الطفل وفقا للمواصفات التي تستهدفها، فقوى المعارضة والتحدي قائمة دوماً ففي نفس هذه الفترة التي يبدأ فيها الطفل تدريجياً في الاعتماد على نفسه والانفصال عن الأسرة والانخراط في المؤسسة العلمية تظهر مؤسسة أخرى بالغة التأثير بل أنها قد تفوق في تأثيرها بقية المؤسسات قاطبة وهي مؤسسة الرفاق. فمع خطوات الطفل الأولى داخل أسوار المؤسسة التعليمية ومن داخل نسيج شبكة العلاقات الرسمية المنظمة صارمة التحديد تبدأ خبرته الأولى في بناء علاقات صداقة حرة بمعنى أنه يقيمها بنفسه وينسحب منها بنفسه دون أن تكون مفروضة عليه من السلطة الوالدية. وعلى الله الاتكال.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved