Saturday 4th December,200411755العددالسبت 22 ,شوال 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

العراق والإرهاب وصحافة الغرب العراق والإرهاب وصحافة الغرب
عبد الكريم يحيى الزيباري

طالما وقف أحدنا مندهشاً منبهراً بجرأة الصحافة الأجنبية في ممارسة النقد ، ويغلو الكثيرون في تصديق جميع ما يرد فيها ، على أساس ديمقراطية هذه الصحف واستقلالها الكامل ، ولكن هل عجز الساسة من أمثال بوش وبلير عن ترويض صحف تصدر في بلدانهم ؟ بينما هم يزعمون ويرددون دائماً ، بأنهم الأقوى والأغنى ويحكمون السيطرة على الأمور.
إنَّ جرائد مثل التايمس والاندبندنت والنيويورك تايمس هي أكثر الصحف شهرةً في العالم ، ليس لأنها الأكثر مبيعاً بل لأنها الأكثر ديمقراطيةً ووقوفاً على الحياد ودفاعاً عن الحقوق ، وفق ما يشاع عنها ، لكنها في حقيقة الأمر منحازة بشكلٍ كبير ، فهي تبرز قصداً حقائق معينة وتؤكد على أهميتها من خلال الافتتاحيات والتعليقات ، في حين تعالج حقائق أخرى هامشياً أو لا تذكرها إطلاقاً ، فإذا كانت الضجة التي أثيرت حول فضائح سجن أبو غريب قد أعلنت في آذار من عام 2004م ، والتأخير كان بطلبٍ رسمي من وزارة الدفاع الأمريكية ، لأنها كانت قيد التحقيق منذ شهر كانون الأول كما قالت وسائلهم الإعلامية ، وفي الحقيقة كانت قيد الدراسة منذ فترةٍ أطول ، ولا بدَّ أن خبراء متخصصين قاموا بدراسة أثر نشر هذه الفضائح على المجتمع العراقي ، وتوصلوا إلى ان نتائج نشرها سيساهم ربما في وقف موجة العنف ، من خلال الرعب الذي سينشأ في ذهن المتلقي ، من أنه وزوجته وأطفاله سيكونون عرضةً للتعذيب ولممارسات غير إنسانية بشعة ، ربما سيجعله هذا الأمر يعيد التفكير مئات المرات قبل الانخراط في جماعة مسلحة ، فالمسلم ربما يتقبل الموت برحابة صدر ، لكنه من الصعب أن يتقبل صورة تدنيس شرفه أو اعتقال نساء بيته في سجن أبي غريب السيئ الصيت ، وكذلك يعطي صورة جيدة عن عالمهم الديمقراطي الذي يلاحق المجرمين وإنْ كانوا بين صفوفهم ، وهذا الأثر في صالحهم وهو مطلبهم الظاهري ، لكن الفضيحة ستساهم في ازدياد نقمة الشعوب الإسلامية ، وبالتالي ازدياد موجات العنف وتفشي الإرهاب ، وهو شيء في صالحهم أيضاً ، لأنه مطلبهم غير الظاهري ، فاستمرار التهديدات الإرهابية يضمن لقادة الدول المتقدمة أو المتوحشة الذين تقطر دماء الأبرياء من أسنانهم ، ورغم ذلك ينامون في بيوتهم الفخمة بسلام مع عوائلهم غير مبالين بالدمار والخوف الناتج عن سياساتهم الهوجاء تجاه الدول الضعيفة ، وتمكنهم ازدياد حالات العنف من الحصول على معظم مطالبهم ، فهم سيبقون فترة أطول في الحكم ، والذين طالما حسدوهم على هذه النعمة ، وسيحصدون الأصوات الكافية للفوز في الانتخابات لأن التهديدات لا زالت مستمرة ، ومن قام بعملٍ ما سيكون أكثر قدرةً من غيره على إتمامهِ ، فنجح بوش في حملته الانتخابية من خلال تركيز برنامجه الدعائي على مكافحة الإرهاب ، وفشل كيري رغم وعوده بإلقاء القبض على أسامة بن لادن في حالة فوزه ، وها هو بلير يبدأ برنامج حملته الإعلامية قبل الانتخابات المقبلة في أيار المقبل بطرح برنامجه التشريعي الذي يركز على مكافحة الإرهاب والجريمة ، لإدراكه بأن سبل مكافحة الإرهاب هي المصدر الرئيسي لقلق الناخبين ، وتم الكشف عن مشروعات قوانين لاستصدار بطاقات هوية وتشكيل وكالة لمكافحة الجرائم الخطيرة على غرار مكتب التحقيقات الفدرالي في الولايات المتحدة ، وبالطبع فإنَّ نسبة الأصوات التي تبحث عن حياةٍ أكثر أمناً تشكل الأغلبية في كافة شعوب العالم وليس في بريطانيا أو الولايات المتحدة فقط ، وبالتالي ستكون فرص بلير في الفوز أكبر مع برنامجه الأمني الجديد ، ولا بأس من أن تزداد بلادهم أمناً وسلاماً وينامون بهدوء ، وفي نفس الوقت يزداد العالم عنفاً وغرقاً في دوامات العنف الناتج عن سياساتهم الهوجاء ، وينام العراقيون على أصوات القنابل ويدرسون على أضواء الفوانيس ، ويتنقلون في الشوارع تحت رحمة السيارات المفخخة ، ويستيقظون كل صباح وقد فقدوا شخصاً عزيزاً عليهم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved