طالما وقف أحدنا مندهشاً منبهراً بجرأة الصحافة الأجنبية في ممارسة النقد ، ويغلو الكثيرون في تصديق جميع ما يرد فيها ، على أساس ديمقراطية هذه الصحف واستقلالها الكامل ، ولكن هل عجز الساسة من أمثال بوش وبلير عن ترويض صحف تصدر في بلدانهم ؟ بينما هم يزعمون ويرددون دائماً ، بأنهم الأقوى والأغنى ويحكمون السيطرة على الأمور.
إنَّ جرائد مثل التايمس والاندبندنت والنيويورك تايمس هي أكثر الصحف شهرةً في العالم ، ليس لأنها الأكثر مبيعاً بل لأنها الأكثر ديمقراطيةً ووقوفاً على الحياد ودفاعاً عن الحقوق ، وفق ما يشاع عنها ، لكنها في حقيقة الأمر منحازة بشكلٍ كبير ، فهي تبرز قصداً حقائق معينة وتؤكد على أهميتها من خلال الافتتاحيات والتعليقات ، في حين تعالج حقائق أخرى هامشياً أو لا تذكرها إطلاقاً ، فإذا كانت الضجة التي أثيرت حول فضائح سجن أبو غريب قد أعلنت في آذار من عام 2004م ، والتأخير كان بطلبٍ رسمي من وزارة الدفاع الأمريكية ، لأنها كانت قيد التحقيق منذ شهر كانون الأول كما قالت وسائلهم الإعلامية ، وفي الحقيقة كانت قيد الدراسة منذ فترةٍ أطول ، ولا بدَّ أن خبراء متخصصين قاموا بدراسة أثر نشر هذه الفضائح على المجتمع العراقي ، وتوصلوا إلى ان نتائج نشرها سيساهم ربما في وقف موجة العنف ، من خلال الرعب الذي سينشأ في ذهن المتلقي ، من أنه وزوجته وأطفاله سيكونون عرضةً للتعذيب ولممارسات غير إنسانية بشعة ، ربما سيجعله هذا الأمر يعيد التفكير مئات المرات قبل الانخراط في جماعة مسلحة ، فالمسلم ربما يتقبل الموت برحابة صدر ، لكنه من الصعب أن يتقبل صورة تدنيس شرفه أو اعتقال نساء بيته في سجن أبي غريب السيئ الصيت ، وكذلك يعطي صورة جيدة عن عالمهم الديمقراطي الذي يلاحق المجرمين وإنْ كانوا بين صفوفهم ، وهذا الأثر في صالحهم وهو مطلبهم الظاهري ، لكن الفضيحة ستساهم في ازدياد نقمة الشعوب الإسلامية ، وبالتالي ازدياد موجات العنف وتفشي الإرهاب ، وهو شيء في صالحهم أيضاً ، لأنه مطلبهم غير الظاهري ، فاستمرار التهديدات الإرهابية يضمن لقادة الدول المتقدمة أو المتوحشة الذين تقطر دماء الأبرياء من أسنانهم ، ورغم ذلك ينامون في بيوتهم الفخمة بسلام مع عوائلهم غير مبالين بالدمار والخوف الناتج عن سياساتهم الهوجاء تجاه الدول الضعيفة ، وتمكنهم ازدياد حالات العنف من الحصول على معظم مطالبهم ، فهم سيبقون فترة أطول في الحكم ، والذين طالما حسدوهم على هذه النعمة ، وسيحصدون الأصوات الكافية للفوز في الانتخابات لأن التهديدات لا زالت مستمرة ، ومن قام بعملٍ ما سيكون أكثر قدرةً من غيره على إتمامهِ ، فنجح بوش في حملته الانتخابية من خلال تركيز برنامجه الدعائي على مكافحة الإرهاب ، وفشل كيري رغم وعوده بإلقاء القبض على أسامة بن لادن في حالة فوزه ، وها هو بلير يبدأ برنامج حملته الإعلامية قبل الانتخابات المقبلة في أيار المقبل بطرح برنامجه التشريعي الذي يركز على مكافحة الإرهاب والجريمة ، لإدراكه بأن سبل مكافحة الإرهاب هي المصدر الرئيسي لقلق الناخبين ، وتم الكشف عن مشروعات قوانين لاستصدار بطاقات هوية وتشكيل وكالة لمكافحة الجرائم الخطيرة على غرار مكتب التحقيقات الفدرالي في الولايات المتحدة ، وبالطبع فإنَّ نسبة الأصوات التي تبحث عن حياةٍ أكثر أمناً تشكل الأغلبية في كافة شعوب العالم وليس في بريطانيا أو الولايات المتحدة فقط ، وبالتالي ستكون فرص بلير في الفوز أكبر مع برنامجه الأمني الجديد ، ولا بأس من أن تزداد بلادهم أمناً وسلاماً وينامون بهدوء ، وفي نفس الوقت يزداد العالم عنفاً وغرقاً في دوامات العنف الناتج عن سياساتهم الهوجاء ، وينام العراقيون على أصوات القنابل ويدرسون على أضواء الفوانيس ، ويتنقلون في الشوارع تحت رحمة السيارات المفخخة ، ويستيقظون كل صباح وقد فقدوا شخصاً عزيزاً عليهم.
|