في لحظات السكون، عندما تتعلق الروح على حدود المشاعر الغائبة عن التعب اليومي، يستغرقنا الحلم، فنبتعد عن مادية الواقع، لنلمس إنسانيتنا عبر أحلام نتمناها لو تصبح حقيقةً نعيشها، تمنحنا القوة على الاستمرار في الحياة قانعين، وتجعلنا أقرب الى ذواتنا الراسية في أعماقنا.
ولا أستطيع في زحمة المجريات من حولي - وأنا امرأة أعيش في حوطة وطني، وفي عالم أنا جزء من منظومته - أن تقتصر أحلامي على ذاتي، فأنا كأي امرأة لي أحلامي الخاصة، لكنها أمام حجم الهموم التي تحيط بحياتنا العامة سأبقيها في طيّ الكتمان، ربما أهمس بها لوسادتي، أو في دفتر مذكراتي، لأخرج إلى العام.. ولا أستطيع في الوقت نفسه أن أبتعد عن الواقع، فهو الحياة بكل أبعادها، وهو الحركة الدؤوبة التي تجعلنا نستقبل الأيام ونعيشها، ويحرّضنا على ممارسة واجباتنا التي خلقنا الله سبحانه أساسا كي نقيم شعائرها على كل منحى من مناحي حياتنا، نزينها دائما بالفَهْم الحقيقي من أصل وجودنا كبشر نعيش على هذا الكوكب، مخلوقات متطورة، عبادا للرحمن جلّ وعلا، نمارس العبادة للخالق البارئ، وهو المعنى الأول من وجودنا، نقيم طقوس عبادة وطاعة وولاء لله سبحانه ولأولياء الأمور منا، ونعيش أيامنا لنكمل دائرة الخلق من خلال حياة اجتماعية مركبة بالأصل على الفطرة التي فطرنا اللهُ عليها. والحلم جزء من الفطرة المشروعة، وكثيرا ما أخذني الحلم إلى التمني بأن أرى عالماً نظيفاً يمتثل الى منظومة الأخلاق والقيم والسمو الروحي، وهي الصفات التي تصلح المجتمعات، وتخلصنا من الشوائب. ولأنني من هذه المخلوقات، ولي (كامرأة) حيز النصف في معادلة الحياة، وأعيش وسط مجتمع يعطيني وأعطيه، بدءاً من حاجتي للبقاء في أسرتي الصغيرة، وامتدادا إلى الدوائر الأكبر حتى الوصول الى البُعد الانساني العالمي، أدرك عن يقين أنني فاعلة بطريقة ما في إكمال هذه الدائرة، ولذلك من حقي أن أحلم أيضا عبر كل تلك الدوائر. ويستدعيني واقع ما نعيشه الآن أن ابتعد بأحلامي عن ذاتيتي الضيقة التي لا تعني سواي، إلى الأحلام الأكبر التي يمكنها أن تجعلني أعيش بفرح أحلامي الخاصة.
أتمنى أن أعيش في مجتمع آمن، يأمنني على نفسي وبيتي وأسرتي وأحبائي، أن نكون أوفياء للخالق سبحانه، نلتزم بتعاليمه، ونقيم شعائره بولاء وايمان لا يتزعزع، أن يجمّلنا الله سبحانه بالأخلاق ويبعدنا عن مواطن الضلالة والظنون، أن نكون كما أراد لنا الله أن نكون {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}، أن يندحر الظلم ويسود العدل، أن يتلاشى النفاق ويعمَّ الصدق، أن نكون في هذا العالم الكبير، والى جانب الأمم، نساء نفهم المعنى من وجودنا الى جانب الرجال، كل لما خلق له، نشكل بالتعاون والتراحم مجتمعاً أمثل.
أحلم أن يصل كل مظلوم إلى حقه، وأن يعيش في وطنه حرّاً آمناً، أن نتخلص من زيف التقليد الأعمى لثقافات غريبة عنا، الذي سيقودنا الى متاهات بعيدة عن أصالتنا وتراثنا، أن يظلل الله سبحانه هذه الأرض الطيبة بالخير والبركات، وأن يهدي أولياء أمورنا الى السبيل الصالح، وأن يفيض علينا بنعمة الصحة..
هي أحلام عامة لا أدّعي أنها تخصّني وحدي، لكنني أجرؤ وأقول بأنها أحلام تخص كل امرأة عربية مسلمة مؤمنة برسالتها، وتحتوي في تأصيلها وعموميتها كل أحلامنا الخاصة. هذا، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
الرياض - فاكس 014803452 / www.nahidanwar.net |