يبدو من المهم تسليط الأضواء على الجوانب الإيجابية للتفاعلات بين الشعوب الناجمة عن تعايشهم مع بعضهم البعض في وقت باتت فيه الهجرة شأناً إنسانياً ملحاً بسبب تصاعد موجاتها حاملة الجموع البشرية من أرض إلى أخرى بكل معتقداتها وتعقيداتها وآمالها وطموحاتها.. وفي الشأن العربي والإسلامي يعنينا كثيراً أن تكون هذه الهجرة ذات إفرازات إيجابية بحيث تترسخ صورة مثلى لمبادئنا الإسلامية في الذاكرة الغربية خصوصاً، باعتبار أن الغرب هو المصب لمعظم هذه الهجرات.
نهاية الأسبوع المنصرم في هولندا كانت هناك مناسبة تسليم جوائز الأمير كلاوس، زوج ملكة هولندا، وقد كان هناك نصيب للعالم العربي من هذه الجوائز التي ينظر إليها في أوروبا بتقدير كبير، حيث تمثل الحضور العربي في شخص شاعر فلسطين محمود درويش والمخرج العراقي جواد سالم.
ويأتي منح الجائزة لدرويش وسالم في إطار إستراتيجية جديدة لمؤسسة الأمير كلاوس تهدف إلى تسليط الضوء على النتائج الإيجابية للهجرات.
وللحضور العربي متمثلاً في محمود درويش أكثر من مغزى يتناول جميع المجالات بما فيها السياسي بالطبع، باعتبار أن الشاعر لا يفتأ يقول شعراً مسكوناً بأزمة الوطن الفلسطيني، ومن ذات الشعر تنساب الدلالات الكبرى للأزمات الإنسانية على نطاق العالم.
المناسبة جاءت في أعقاب فترة من التوتر وسط المهاجرين في هولندا وبصفة خاصة المسلمين في أعقاب مقتل مخرج هولندي الشهر المنصرم على يد شخص قيل إنه مسلم متطرف، وكان على المسلمين أن يواجهوا أزمة كبيرة، تمثلت بصفة خاصة في النظر إليهم على أنهم أناس غير مرغوب فيهم، غير أن قلة من الهولنديين أدركت أن الأمر لا يجب النظر إليه من هذه الزاوية فقط، وأن التطرف موجود في كل الأديان، بينما تميز آخرون بالشجاعة وقالوا إنه يجب احترام عقائد الآخرين، مشيرين إلى ملابسات الحادثة التي شملت ضمن أشياء عديدة أعمال المخرج القتيل والتي حملت بعضها إشارات سلبية للإسلام وجاءت فيها مزاعم وأكاذيب حول أن الإسلام يسيء إلى المرأة.ولهذا فإن تصريحاً لمسؤول أوروبي عن مكافحة الإرهاب الأسبوع المنصرم مسّ المسألة مباشرة عندما دعا إلى نبذ عدم التسامح الديني، كما دعا إلى تسوية في الشرق الأوسط باعتبار أن غياب السلام في الشرق الأوسط ما زال يغذي الدعاية المتطرفة.
في مثل هذه الأجواء المتوترة بين المسلمين وغيرهم في هولندا، وهو أمر تجاوز مجرد المساحة الهولندية إلى دول أوروبية أخرى.. فإن مناسبة تكريم درويش والاستماع إلى ما يقول تمثل نقلة مهمة لمعرفة نوعية من التفكير تسود لدى المسلمين والعرب ربما لم يطلع الكثيرون من الأوروبيين عليها، أو إنهم رأوا ملامح منها بحكم الوجود العربي والإسلامي في القارة، الذي يتمثل في وجود قدر كبير من الأدباء والمفكرين وغيرهم، لكن حادثة مثل تلك التي وقعت في هولندا قد تطيح بكل الانطباعات الطيبة عن الآخرين، ربما بسبب حدتها هي ذاتها وبسبب استغلال آخرين لا يريدون مستقبلاً إيجابياً للتقارب العربي الأوروبي.
|